تستجيب النباتات للآكلات العشبية herbivory من خلال آليات مورفولوجية وكيميائية حيوية وجزيئية متنوعة لمواجهة أو معادلة آثار هجومها. وتتمتع الآليات الكيميائية الحيوية للدفاع ضدها بنطاق واسع وديناميكية عالية، وتعتمد على دفاعات مباشرة وغير مباشرة. وتُنتج هذه المركبات الدفاعية إما بشكل تكويني أو استجابةً لأضرار النباتات، وتؤثر على تغذية العاشبات ونموها وبقائها. كما تُطلق النباتات مركبات عضوية متطايرة تجذب الأعداء الطبيعيين للعاشبات. وتعمل هذه الاستراتيجيات إما بشكل مستقل أو بالتزامن مع بعضها البعض.
ومع ذلك، لا يزال فهمنا لهذه الآليات الدفاعية محدودًا. ويمكن استغلال المقاومة المُستحثة كأداة مهمة لمكافحة الآفات لتقليل كميات المبيدات الحشرية المستخدمة في مكافحتها. كما يمكن التلاعب بمقاومة النبات المضيف للحشرات، وخاصة المقاومة المُستحثة، باستخدام مُحفزات كيميائية للمستقبلات الثانوية، التي تُكسب الحشرات مقاومة. من خلال فهم آليات المقاومة المُستحثة، يُمكننا التنبؤ بالحشرات العاشبة التي يُحتمل تأثرها بالاستجابات المُستحثة.
يُمكن رشّ مُحفّزات الاستجابات المُستحثة على نباتات المحاصيل لبناء نظام دفاع طبيعي ضد الأضرار التي تُسببها الحيوانات العاشبة. كما يُمكن هندسة الاستجابات المُستحثة وراثيًا، بحيث تُنتج النباتات مركبات دفاعية بشكل طبيعي ضدّ أيّ تهديد من الحيوانات العاشبة. ويُمكن استغلال المقاومة المُستحثة لتطوير أصناف من المحاصيل، تُنتج بسهولة الاستجابة المُستحثة عند الإصابة الخفيفة، ويمكن أن تُشكّل أحد مكونات الإدارة المتكاملة للآفات لتحقيق إنتاج محاصيل مستدام.
في هذه المقالة، سنستعرض أهم آليات دفاع النبات ضد الحشرات، مع الاستناد إلى مراجع علمية كلاسيكية وحديثة، بما في ذلك عمل Painter (1954) الذي يُعد حجر الأساس في فهم مقاومة النباتات للحشرات.
1- الدفاعات التركيبية (الميكانيكية)
تشمل هذه الدفاعات الخصائص الفيزيائية التي تجعل من الصعب على الحشرات اختراق أنسجة النبات أو التغذي عليها. ومن أهمها:
أ. الشعيرات النباتية (Trichomes)
- تعمل كحاجز مادي يمنع الحشرات من الوصول إلى سطح الورقة.
- بعض الشعيرات تُفرز مواد لزجة أو سامة (مثل نباتات الطماطم التي تفرز ترايكومات تحتوي على مركبات كيميائية دفاعية).
ب. الجدار الخلوي السميك واللحاء الصلب
- بعض النباتات تطور أنسجة أكثر صلابة، مما يجعل اختراقها صعبًا على الحشرات ذات الأجزاء الفمية الضعيفة.
ج. الطبقات الشمعية والكوتيكل السميك
- تقلل من قدرة الحشرات على الالتصاق بسطح النبات (مثل أوراق الكرنب التي يصعب على حشرات المن التغذي عليها بسبب طبيعتها الشمعية).
Painter (1954) أشار في دراسته إلى أن المقاومة التركيبية تلعب دورًا رئيسيًا في منع الإصابة الحشرية، خاصة في المحاصيل مثل القمح والذرة.
2- الدفاعات الكيميائية (المركبات الثانوية)
تنتج النباتات مجموعة متنوعة من المركبات الكيميائية السامة أو الطاردة للحشرات، وتشمل:
أ. القلويدات (Alkaloids)
- مثل النيكوتين في التبغ، الذي يكون سامًا لمعظم الحشرات.
- الكافيين في بعض النباتات يعيق نمو يرقات الحشرات.
ب. التربينات (Terpenoids)
- مثل البيريثرينات في الأقحوان، التي تعمل كمبيدات حشرية طبيعية.
- بعض التربينات تجذب مفترسات الحشرات (مثل حشرات الدعسوقة).
ج. الفينولات والتانينات (Phenolics & Tannins)
- تعيق عملية الهضم لدى الحشرات، مما يقلل من قيمتها الغذائية (مثل أوراق البلوط الغنية بالتانينات).
أظهرت دراسات حديثة أن النباتات يمكنها تحفيز إنتاج هذه المركبات بمجرد اكتشافها لإصابة حشرية، عبر مسارات إشارات مثل حمض الجاسمونيك (Howe & Jander, 2008).
3- الدفاعات الحيوية (التفاعل مع الكائنات الأخرى)
تعتمد بعض النباتات على جذب الأعداء الطبيعيين للحشرات كجزء من استراتيجية دفاعها:
أ. إطلاق المركبات المتطايرة (VOCs)
- عند إصابة نبات الذرة بدودة الحشد، يطلق مركبات تجذب الدبابير الطفيلية التي تقضي على اليرقات.
ب. العلاقة التكافلية مع النمل
- بعض النباتات (مثل الأكاسيا) توفر غذاءً للنمل، الذي بدوره يدافع عنها ضد العواشب.
ذكر Karban & Baldwin (1997) أن هذه الآلية تُعد مثالًا على “المقاومة غير المباشرة“ التي تعتمد على شبكات معقدة من التفاعلات البيئية.
4- الاستجابات التحفيزية (Induced Defenses)
لا تكون جميع الدفاعات موجودة دائمًا، بل يتم تنشيط بعضها فقط عند الإصابة:
أ. الاستجابة الجهازية (Systemic Acquired Resistance – SAR)
- بعد الإصابة، تنتقل إشارات كيميائية عبر النبات لتحفيز مقاومة في الأجزاء غير المصابة.
ب. البروتينات المضادة للحشرات (مثل مثبطات البروتياز)
- تعيق هضم البروتينات في أمعاء الحشرات، مما يقلل من نموها.
أشار War et al. (2012) إلى أن هذه الآلية فعالة ضد حشرات مثل حفار ساق الذرة الأوروبي.
تمتلك النباتات ترسانة متنوعة من الآليات الدفاعية ضد الحشرات، تتراوح بين الحواجز الفيزيائية والسموم الكيميائية والتعاون مع الكائنات المفترسة. فهم هذه الآليات يساعد في تطوير استراتيجيات مكافحة حيوية مستدامة، بدلاً من الاعتماد الكلي على المبيدات الكيميائية.
المراجع
- Howe, G. A., & Jander, G. (2008). “Plant immunity to insect herbivores”. Annual Review of Plant Biology.
- Karban, R., & Baldwin, I. T. (1997). Induced Responses to Herbivory. University of Chicago Press.
- Painter, R. H. (1954). Insect Resistance in Crop Plants. Macmillan.
- War, A. R., Paulraj, M. G., Ahmad, T., Buhroo, A. A., Hussain, B., Ignacimuthu, S., & Sharma, H. C. (2012). “Mechanisms of plant defense against insect herbivores”. Plant Signaling & Behavior, 7(10), 1306-1320.
مقال
الأستاذ الدكتور/ مجدي فاروق السماحي
أستاذ النانوتكنولوجي ووقاية النبات – معهد بحوث وقاية النباتات – مركز البحوث الزراعية
وكيل محطة البحوث الزراعية بسخا الأسبق
رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بكفر الشيخ
مسئول برنامج مطبقي المبيدات بمحافظة كفر الشيخ
المشرف العلمي لدودة الحشد الخريفية بمحافظة كفر الشيخ
عضو مجلس إدارة جمعية مجلس علماء مصر
عضو لجنة أخلاقيات البحث العلمي بجامعة كفر الشيخ
مدرب معتمد لتدريب المدربين بالمجلس الأعلى للجامعات
مستشار مجلس إدارة المجلة العلمية أهرام قسم العلوم
اقرأ أيضا