خلق الله البشر متفاوتين في العقول ونسبة الفهم، فقال سبحانه وتعالى: “وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ” (الأنعام: 165). فهناك الجاهل الذي يعيش في ظلمات التقليد، والمتعلم الذي ينير عقله بالمعرفة، والعالم الذي يبني الحضارات، والفيلسوف الحكيم الذي يتأمل حقائق الوجود. فكيف يختلف هؤلاء؟ وما تأثير كل منهم على المجتمع؟
1- الجاهل: أسير الظلام
الجاهل هو من يرفض المعرفة، ويتبع الهوى دون دليل، ويصدق الخرافات بلا تمييز، يقول الله تعالى: “إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ” (النجم: 23). وهو كالأعمى الذي يسير في وضح النهار، كما قال الإمام علي رضي الله عنه: “الجاهل ميت بين الأحياء”.
تأثيره على المجتمع:
• عائق للتقدم: لأنه يرفض كل جديد ويخشى التغيير.
• أداة للاستغلال: يستخدمه الطغاة لتحقيق مآربهم، كما قال ابن خلدون: “الجهل أساس الاستبداد”.
• ناشر للخرافات: يعيق التنوير ويثير الفتن، كما في قوله تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ” (الحج: 3).
2- المتعلم: حامل المشعل
المتعلم يسعى للمعرفة، لكنه قد يكتفي بحفظ المعلومات دون تعمق. قال الله تعالى: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” (الزمر: 9). وهو كالشجرة المثمرة التي تحتاج إلى رعاية لتنمو.
تأثيره على المجتمع:
• ناشر للثقافة: يساهم في محو الأمية، كما قال الرسول ﷺ: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”.
• قوة إنتاجية: يعمل في مجالات تحتاج إلى مهارات، لكنه قد يصبح آلة إذا افتقد الوعي النقدي.
• جسر بين الجهل والعلم: لكنه إن لم يتجاوز التلقين، قد يتحول إلى “جاهل متعلم”، كما حذر مالك بن نبي.
3- المثقف: صانع الوعي الجمعي
المثقف يتجاوز التعلم إلى الفهم النقدي، وهو ما عبر عنه علي بن أبي طالب: “لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”. المثقف الحقيقي هو من وصفه غرامشي: “ناقد المجتمع وضميره الحي”.
تأثيره على المجتمع:
• حارس القيم: كما قال الطهطاوي: “الأمة بدون مثقفين كالجسد بدون روح”
• محرك التغيير: يقود التحولات الاجتماعية كما فعل طه حسين في مشروعه التنويري
• خطر الانحراف: عندما يتحول إلى “مثقف سلطة” كما نرى في بعض النماذج المعاصرة وكما قال ابن خلدون: “ويلٌ للعالَم إذا
انحرفَ فيه المثقفون”.
4- العالم: مهندس الحضارة
العالم هو من يغوص في البحث والاكتشاف، ويبني المعرفة على الأدلة. يقول الله تعالى: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” (فاطر: 28). وهو كالشمس التي تنير الدنيا، كما قال ابن رشد: “العلماء ورثة الأنبياء”.
تأثيره على المجتمع:
• مخترع ومنقذ: كالاكتشافات الطبية والهندسية التي تنقذ البشرية.
• خطر إذا انحرف: كالعلماء الذين صنعوا الأسلحة الفتاكة، كما قال أينشتاين: “العلم دون ضمير دمار للروح”.
• قدوة للأجيال: يشعل شعلة الفضول في الشباب، كما فعل ابن سينا والرازي، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
5- الفيلسوف (الحكيم): مستنير البصيرة
الفيلسوف لا يكتفي بالمعرفة، بل يتساءل عن المعنى والأخلاق والغاية وهو قائد الركب الإنساني. يقول الله تعالى: “وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” (آل عمران: 191). وهو كالنجم الهادي في ظلمات الجهل، كما قال سقراط: “الحكمة تبدأ بالاعتراف بالجهل”.
تأثيره على المجتمع:
• محرك الفكر: كالفارابي وابن خلدون الذين وضعوا نظمًا سياسية واجتماعية.
• ناقد للظلم: كسقراط الذي ضحى بحياته من أجل الحقيقة.
• مثير للجدل: قد يُتهم بالزندقة إذا هزّ ثوابت المجتمع الجاهز، كما حدث مع الحلاج.
أي طريق نختار؟
إن المجتمع يحتاج إلى توازن بين هذه الأصناف:
• محاربة الجهل بالتعليم، كما قال النبي ﷺ: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له طريقًا إلى الجنة”.
• تشجيع المتعلمين على التفكير النقدي، لا التلقين.
• رعاية العلماء وتوجيههم نحو الخير، لا الدمار.
• احترام الفلاسفة لأنهم يطرحون الأسئلة التي تبني المستقبل.
فاختر لنفسك: إما أن تكون حملاً على المجتمع، أو عاملاً في بنائه، أو قائداً لتغييره. وكما قال الكواكبي: “الأمة التي لا تفكر أمة لا تستحق”.
مقال
الأستاذ الدكتور/ مجدي فاروق السماحي
أستاذ النانوتكنولوجي ووقاية النبات – معهد بحوث وقاية النباتات – مركز البحوث الزراعية
وكيل محطة البحوث الزراعية بسخا الأسبق
رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بكفر الشيخ
مسئول برنامج مطبقي المبيدات بمحافظة كفر الشيخ
المشرف العلمي لدودة الحشد الخريفية بمحافظة كفر الشيخ
عضو مجلس إدارة جمعية مجلس علماء مصر
عضو لجنة أخلاقيات البحث العلمي بجامعة كفر الشيخ
مستشار مجلس إدارة المجلة العلمية أهرام قسم العلوم
اقرأ أيضا
د. مجدي السماحي.. مستقبل الزراعة في مصر: التحديات ودعم الدولة للفلاح
د. مجدي السماحي يكتب أهمية القراءة والتعلم عند المصري القديم