تنص المادة (65) من الدستور على أن: (حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر)، كما تنص المادة (85) من الدستور على أن: (لكل فرد حق مخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه، ولا تكون مخاطبتها باسم الجماعات إلا للأشخاص الاعتبارية).
وقد أكدت المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية على حرية الرأي والتعبير وحق تداول المعلومات منذ أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/1948، فقد قررت المادة (19) منه علي أن: (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة أو قيد وفي التماس الإنباء والأفكار ونقلها إلي الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود)، وتعد مصر من الدول التي قامت بالتوقيع والتصديق علي تلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية، ومن ثم أصبحت قانونا واجب التطبيق طبقا لنص المادة (151) من الدستور، وتم نشر هذه الوثيقة بالجريدة الرسمية بتاريخ 14/4/1982.
وهدياً بما تقدم يُعد انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير، حقاً مكفولا لكل مواطن، والتمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول – كأصل عام – دون إعاقتها، أو فرض قيود مسبقة على نشرها. وهي حرية يقتضيها النظام الديمقراطي، وليس مقصودا بها مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته، ولكن غايتها النهائية الوصول إلى الحقيقة، من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة، وعبر الحدود المختلفة، وعرضها في آفاق مفتوحة تتوافق فيها الآراء في بعض جوانبها، أو تتصادم في جوهرها، ليظهر ضوء الحقيقة جلياً من خلال مقابلتها ببعض. وقوفاً على ما يكون منها زائفاً أو صائباً، منطوياً على مخاطر واضحة، أو محققاً لمصلحة مبتغاة.
ومن ثم لا يعدو إجراء الحوار المفتوح حول المسائل العامة، أن يكون ضماناً لتبادل الآراء على اختلافها، كي ينقل المواطنون علانية تلك الأفكار التي تجول في عقولهم – ولو كانت السلطة العامة تعارضها – إحداثاً من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوباً.
وفي ضوء ما سبق، فإن انتقاد القائمين بالعمل العام – وإن كان مريراً – يظل متمتعاً بالحماية التي كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء، بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية، أو يجاوز الأغراض المقصودة من إرسائها.
ذلك أن الطبيعة البناءة للنقد، لا تفيد لزوماً رصد كل عبارة احتواها مطبوع، وتقييمها – منفصلة عن سياقها – بمقاييس صارمة، فإن ما قد يراه إنسان صواباً في جزئية بذاتها، قد يكون هو الخطأ بعينه عند آخرين. ولا شبهة في أن المدافعين عن أرائهم ومعتقداتهم كثيرا ما يلجأون إلى المغالاة، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس في المجال الذي لا يمكن أن تحيا بدونه، فإن قدراً من التجاوز يتعين التسامح فيه، ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط في بعض الآراء مستوجباً إعاقة تداولها.
ومفاد ما تقدم جميعه إن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم، فلا يتهامسون بها نجيا، بل يطرحونها ولو عارضتها السلطة العامة، فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكناً في غيبة حرية التعبير.
فحرية التعبير تمثل في ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديمقراطية عنها، وإنما تؤسس الدول في ضوئها مجتمعاتها صوناً لتفاعل مواطنيها معها، بما مؤداه، أن الآراء على اختلافها لا يجوز إجهاضها ولا مصادرة أدواتها أو فصلها عن غاياتها ولو كان الآخرون لا يرضون بها.
اقرأ أيضا