بخصوص حملة الفزع من الأخوة المتدينين على فيلم الملحد اللي هم شايفين أنه هيزعزع ثوابت الدين وهيزود عدد المتشككين والملحدين !
متغافلين تماما عن معظم تصرفاتهم ومعاملاتهم اللي هي العامل الأساسي والرئيس لخروج الناس من الدين كله بسببهم.
تعالوا أحكي لكم حكاية توريكم أن أكل العيش ما فهوش مقدسات ولا محرمات ولما بتتحط المنفعة الدنيوية في مقابل القيم الدينية، كفة الدنيا بترجح على الدين، علشان تكتشف إن أدعياء الفضيلة حراس الدين ما هم إلا مدعين عندهم ازدواجية في المعاير وبالتالي صدق عليهم قول الكريم الحكيم حين وصفهم في سورة التوبة بالمنافقين ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا﴾ ليه؟ الإجابة في سورة الحجرات ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾
تقرأ في هذا الموضوع
القصة وما فيها:
من سنة كده تقريبا لقيت إعلان لدار نشر اسمها دار العهد الجديد على جروب من جروبات الفيس بوك الكتير المتخصصة في مهن ومجالات معينة.
الدار طالبه في الإعلان وظيفة كاتب محتوى المهم قدمت وبعد عشر شهور ردوا عليا وحددوا موعد مقابلة شخصية مشترطين أني أكون متفرغ للعمل في الوقت الحالي قبل ما أروح أقعد معهم في المقابلة بحجة لو قبلوا تعييني اشتغل من تاني يوم طوالي، قلت يا عم ماشي ما يجراشي.
رحت وأعدت مع الشخص اللي تواصل معي واللي طلع زي ما عرف نفسه مدير فرع الدار في القاهرة وإن الدار مقرها الأساسي في كفر الشيخ وموجودة في السوق من 2011 بتشتغل على طباعة الكتب الدينية وحاليا بيشتغلوا على كتب مناهج تعليم الأطفال.
طيب يا سيدي المطلوب إيه تحديدا في الوظيفة؟
مطلوب كاتب محتوى على دراية بأساليب الكتابة للأطفال احنا عندنا موقع وتطبيق بننزل عليه لعب تعليمية وفيديوهات ومطلوب منك تساعدني كمدير في ده، بما إن السيرة الذاتية بتاعتك بتقول إنك سيناريست ومخرج ومونتير فبدل ما تاخد مرتب كاتب محتوى، هنعدل التوصيف الوظيفي وتبقى مساعد مدير تنفيذي وتاخد مرتب أزيد وتعمل كذا وكذا وليلة كبيرة ساعدتك.
طبعا حسيت وقتها إن ما فيش مهام وظيفية محددة والدنيا سايحة على بعضها، ولا الناس دي بتفهم هي بتعين مين وإزاي، ولا بتفهم في صناعة أدب الطفل وخصوصا المرئي اللي هم مستهدفين يعملوه.
ولا أخفي عليكم سرا رغم إني بدأت أرتاب وأتشكك وأتوجس خيفة، بس حبيت أتاكد إن ظني في محله وإن الناس دي بتضبش وبتدور على أي حد عنده معلومة أو وقت متاح يلهفوهم منه وبعد كده فركش.
استلمت العمل وبدأت أتعرف على المهام الوظيفية الملعبكة في بعضها.
نسيت أقولك أن الأخ مدير المكان من أول يوم مصدر صورة أنه العالم العلامة والحبر الفهامة وإن هم دارسين بره وجوه وجامدين جدا في صناعة تكنولوجيا المعلومات، وفي المقابل أنا مصدر صورة المتواضع اللي بيسأل علشان يعرف ويفهم.
لكن الصورتان بدأوا يهتزوا من أول يوم لما علقت له على محتوى الإعلان اللي منشور على صفحة الدار بيطلبوا فيه موظفين بدوام كامل أو نص أو بالقطعة ومن ضمن الوظايف المطلوبة محرك عرايس.
فسألته عرايس إيه؟ فقالي ماريونت فقلت له بس الأوصاف اللي أنت بتقولها ما تنطبقش على الماريونت دي أوصاف العرايس المابيت شو، وهنا كان أول قلم ينزل على وشه لما طلع قدامي مش فاهم، بلع ريقه وحاول بهدوء يستجمع صورته قدام نفسه وقدامي وقال: أنا ما أعرفش أوي في الحاجات دي وبدأت سلسلة الاعتراف بالجهل وأنه ولا بيشوف أفلام ولا كارتون ولا تليفزيون من أساسه، وهنا ظهر على وشي أول علامة تعجب! عاوز تعمل محتوى مرئي وأنت ما بتشوفشي أساسا.
المهم بصيت على النصوص المقدمة لعرضها وقلت ملاحظاتي وكيفية المعالجة والتنفيذ، وكان مطلوب مني في نفس الوقت أبحث وأدور وأجمع فريق عمل من ضمنهم محركي عرايس ومقدمات محتوى مرئي للأطفال وهنا كانت علامة التعجب التانية!
لما قالي مطلوب موصفات معينة معظمها هلامية أهمها تكون بحجاب بس بنوتة حلوة وجميلة وفروفوشة وكتوكتة، والمحتوى هيكون من غير موسيقي سواء آلات أو أصوات بشرية تقلدها وعلينا نلاقي بديل لها. وبعد مناقشة هادية في المسألتين والآراء الفقهية التي وردت فيهما بحكم دراستي الأساسية يعني لعلوم الدين الإسلامي، سمعت ردوده الضعيفة اللي بردو نهاها باعترافه بأن الأعلم منه هناك وهم شايفين ده.
فقلت له تمام دي معايركم بناء على رؤيتكم وتوجهكم وهنا تغير لون وجهه وارتبك وابتسم وقالي: احنا ما لناش توجهات الموضوع تجاري بحت ومصالح وأكل عيش احنا ما عندناش مشكلة يشتغل معنا أي حد بأي صورة المهم المنتج اللي بنقدمه يكون له صوره معينة، وأنا نفسي باسمع أغني وموسيقي بس مش هانزلها في منتجي لأسباب عندنا، وهنا حصلي فلاش باك ورجعت بالزمن 16 سنة لورا وأنا ماشي في درب الأتراك خلف الجامع الأزهر بسأل عن كتاب في كم المكاتب الدينية اللي هناك وبعد المشي والبص والطل والسؤال وقفت عند مكتبة دينية متخصصة في بيع الكتب الدينية، بس بدل ما أسأل عن الكتاب وقفت متنح شوية قدام لقطة لسه مش ناسيها لحد دلوقتي كمية مصاحف كتير من مختلف الطبعات والأشكال والأحجام كانت مرمية على الأرض تحت رجل البياع اللي واقف في المكتبة هو والأخ أبو دقن زميله والأول بيقول للتاني أركن يا ابني المصاحف دي على جنب كده وحط دول هناك، طبعا أنا راسي لفت وقتها واختلطت الأفكار وألف سؤال جه في بالي ونسيت أنا كنت رايح أسأل عن إيه، وبقيت أقول لنفسي هو اللي أنا شفت ده حقيقي، هو ده المصحف اللي بنخاف نحطه على الأرض وعندنا قائمة كبيرة من آداب التعامل معه كانوا بيحفظوهلنا ليل ونهار في البيت والمدرسة والقنوات الدينية، قطع حبل أفكاري سؤال واحد زميلي: قالي مالك؟ قلت له: مش مستوعب اللي شفته. فرد عليا بكل بساطة وقال: أكل عيش يا صاحبي.
وعدت من تاني لوقتي الحالي وقلت للشخص الواقف أمامي صحيح هي فعلا مسألة تجارية بدون أي إضافات تانية.
ومن غير الدخول في تفاصيل أخرى حدثت خلال أسبوعين شغلي في المكان كان ختام القصة إني بعد ما عملت الشغل المطلوب مني من اتصالات واتفاقات وقراءة نصوص وكتابة ملاحظات واقتراحات وعمل تعديلات وإثبات كل ده بتقرير يومي مزود بالمرفقات.
في نهاية الأسبوع الثاني وبعد أن أنتهيت من عملي غادرت المكتب وعدت إلى بيتي لأجد بعد ساعتين رسالة على الواتس آب من الأخ مدير فرع الدار بيطلب فيها رقم محفظني الكاش علشان يحول لي خلال يومين حساب الأيام اللي اشتغلتها عندهم، مع إرسل تقرير على الدرايف مرفق فيه أسماء وأرقام من تواصلت معهم.
طبعا ما كنتش مندهش خالص من الرسالة بل كنت منتظر اللقطة دي منهم، بس همه كان عنهدم سرعة في الأداء بصراحة، ولما سألته إيه أسباب إنهاء عملي بدون سابق إنذار أو إخطار كما هو متعارف عليه في سوق العمل.
ما ردش بإجابة شافية.
وبغض النظر عن عدم الاحترام في التعامل وعدم التقدير المادي والمعنوي وعدم المهنية في التعامل والعمل، إلا إن الأهم هو عدم وجود الدين أو الضمير عندهم.
لأن فات بدل اليومين أسبوعين والفلوس ما أتحولتش.
وعود على بدء أظن وربك خلاف الظنون إن فيلم الملحد هيتناول قضية الإلحاد وأسبابة في المجتمع المصري من المنظور ده ألا وهو إن تعامل المسلمين مع أمور الدين في معاملتهم مع الآخرين هو من أهم الأسباب اللي بتدفع الواحد إنه يتشكك في حقيقة هذا الدين.
فبد ما تعترضوا على عرض فيلم بيعري حقيقكم أولى بكم تعترضوا على تصرفاتكم المشينة.
رامي أبو راية
مخرج
سيناريست
متخصص في الأنثروبولوجيا البصرية