مسجد والإسلام، ويستحق أن يكون فى المرتبة الأولى للعمارة العربية بفضل قبته العالية، وارتفاع مئذنته، وعظم اتساعه وفخامة وكثرة زخارفه”، ووصفه الرحالة المغربى “الورتلانى” بأنه “مسجد لا ثانى له فى مصر ولا غيرها من البلاد فى فخامة البناء ونباهته”، إنه مسجد ومدرسة السلطان حسن.
وصلت تكلفة بناء مسجد السلطان حسن بحسب المراجع التاريخية حوالي 750 ألف دينار من الذهب، حتى ذكر بعض المؤرخين أن السلطان حسن فكر في التوقف عن بناء المسجد نظرا لارتفاع تكلفة البناء وقال لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركته بناء هذا الجامع من كثرة ما صرفت عليه)، بسبب ضخامة البناء وشموخه، واتساع مساحته.
تاريخ بناء مسجد السلطان حسن
بني المسجد بمنطقة ميدان صلاح الدين والسيدة عائشة(ميدان الرميلة) سابقا، خلال الفترة من سنة 757 هـ -1356م، وانتهى البناء سنـة 764 هـ -1363م، بعد وفاة السلطان سنة 1361م، على مساحة أرض كان تعرف باسم “سوق الخيل”، فقد كان السلطان الناصر محمد بن قلاوون قد بنى عليها قصراً ضخماً ليسكنه أحد أمرائه المقربين، وهو يلبغا اليحياوى، وعندما شرع السلطان حسن فى بناء جامعه سنة 1356م، هدم القصر وما حوله.
أنشئ المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، وتعد كل مدرسة مسجداً صغيراً، وكل منها مخصصة لتدريس مذهب من المذاهب الإسلامية الأربعة “الشافعى، المالكى، الحنبلى، والحنفى”، أكبر هذه المدارس الحنفية، وتقع بالإيوان الشرقي بالمسجد الذي يسمى بـ(إيوان القبلة( وبه منبر من الرخام الأبيض على يمين المحراب، كما توجد بهذا الإيوان دكه المبلغ وهي من الرخام، وخلف إيوان القبلة توجد القبة والضريح، وطول ضلع غرفة الضريح 21 متراً، وارتفاع القبة حوالي 48 متراً وتم الانتهاء من بنائها سنة 1363 م، أما القبر الذي تحت القبة فقد تم بناؤه سنة 1384 ودفن فيه ابن السلطان حسن المدعو الشهاب أحمد المتوفي سنة 1386م.
وخصص السلطان حسن لكل مذهب شيخاً ومائة طالب، فى كل فرقة خمسة وعشرون متقدمون، وثلاثة معيدون، وحدد لكل منهم راتباً حسب وظيفته، وعين مدرساً لتفسير القرآن، ومعه ثلاثين طالباً، كما عين مدرسا للحديث النبوي، وخصص له راتبا 300 درهم.
وعين السلطان حسن اثنين لمراقبة الحضور والغياب، أحدهما بالليل والآخر بالنهار، لضمان انتظام الدراسة بالمدارس، وأعد مكتبة وعين لها أميناً، وألحق بالمدرسة مكتبين لتعليم الأيتام القرآن والخط، وقرر لهم الكسوة والطعام، فكان إذا أتم اليتيم القرآن حفظاً يعطى 50 درهماً، ويمنح مؤدبه مثلها ومكافأة له.
كما عين السلطان طبيبين: أحدهما باطني والآخر للعيون، يحضر كل منهما كل يوم بالمسجد لعلاج من يحتاج من الموظفين والطلبة.
واحتفل السلطان حسن بافتتاح مدرسته قبل إجراء باقي الأعمال التكميلية، وصلى بها الجمعة، وأنعم على البناءين والمهندسين، وقد ظل اسم المهندس الفنان الذي أبدع هذا العمل مجهولا قرونا طويلا حتى كشف عنه “حسن عبد الوهاب”، وتوصل إليه وهو “محمد بن بيليك المحسني” من خلال الكتابة الجصية الموجودة في المدرسة الحنفية.
المدخل الرئيسي للجامع يقع في الطرف الغربي للواجهة الشمالية، وهو من المداخل الملكية الضخمة عمارة وزخرفة يبلغ ارتفاعه حوالي 37.70 مترا، وكان للمدخل باب من الخشب مصفح بالنحاس عليه زخارف مكفتة بالذهب والفضة نقل إلى جامع المؤيد شيخ المحمودي، الذي بناه بجوار باب زويلة سنة 819 هـ -1416م.
يتألف الجامع من الداخل من صحن أوسط مكشوف أبعاده 34.60×32م، تتوسطه ميضأة مغطاة بقبة من الخشب ترتكز على 8 أعمدة من الرخام، وقبة الميضأة من أعمال الأمير بشير الجمدار أحد أمراء السلطان حسن، الذي قام بإتمام بعض عناصر الجامع وزخارفه بعد وفاة السلطان سنة 1361، فأتم الكسوة الرخامية بالوزارات والأرضيات وأبواب المدارس الأربعة على الصحن سنة 764هـ -1362م.
ويأخذ المسجد في بناءه طراز المساجد الفارسية حيث يمكن للزائرين استيعاب مساحته من أي زاوية، وتوجد نقوش محدودة على جدران البناء، مثل شريط الجس الموجود في الإيوان الشرقي وقد كتب عليه جمل بالخط الكوفي مستوحاة من أوراق النبات نصها: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا، هو الذى أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً.
للجامع مئذنتان أقدمهما المئذنة القبلية، ويبلغ ارتفاعها عن صحن الجامع 81.60 متراً، أما المئذنة الشمالية البحرية فقد سقطت سنة 1070 هـ- 1654م، وجددها الوالي العثماني إبراهيم باشا سنة 1082هـ- 1671م.
كان التخطيط الأصلي للجامع يتضمن إنشاء 4 مآذن، اثنان حول القبة بالواجهة الشرقية، والثالثة على يمين المدخل الرئيسي بالواجهة الشمالية، وعقب بناء المئذنة الثالثة سقطت 1261م، ومات أسفلها كثيرون، فأمر السلطان حسن بعدم بناء المئذنة الرابعة التي كانت ستبنى على يسار المدخل، والمئذنتان الخاليتان كانت الأدوار العليا منهما تهدمت واستكملتهما لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1915.
يضم المسجد واحدة من أطول المآذن بين مساجد مصر بطولحوالى 81 مترا فوق المسجد، الأمر الذى يعطى المسجد طابعاً خاصاً بين الآثار الإسلامية فى مصر.
العمل في بناء المسجد استمر منذ الشروع في بناءه حتىمقتل السلطان على أيدى بعض أمراء المماليك، عندما كان فى رحلة صيد سنة 762 هـ (1360 م)، وألقوا جثته فى النيل، ولم يعرف له قبر، بينما ينسب للمقريزى قوله، إن السلطان حسن دفن فى مصطبة بداره بقلعة الكبش بحى السيدة زينب، وهناك من يقول إنه دفن فى كيمان الفسطاط ـ أكوام مدينة الفسطاط التى تم حرقها فى أواخر العصر الفاطمى ـ أياً كان مكان دفنه فإن قبة السلطان حسن فى مسجده الآن خالية من جثته.
وبعد اغتياله أكمل بناء المسجد تلميذه الأمير بشير الجمدار لينتهى بعد أربع سنوات، ولاتزال صورة المسجد مطبوعة على العملة المصرية فئة المائة جنيه، تخليدا وعرفانا بهذا الفن المعماري المتفرد، وللترويج للسياحة والمعالم الأثرية.
من هو السلطان حسن
السلطان حسن فهو أحد أبرز سلاطين المماليك، وهو الناصر حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون، ويعتبر ملك مصر التاسع عشر من المماليك الترك، والسابع من أولاد الناصر محمد بن قلاوون، تولَّى السلطنة مرتين، إحداهما سنة 748هـ وكان عمره آنذاك 13 سنة، ثم تولى ثانية سنة 755هـ بعدما سجن لمدة ثلاث سنوات.
بدأ “حسن” يتصرف كسلطان حقيقى بعدما انتهت فترة الوصاية وبلغ سن الرشد، ولكن بعد شهور قليلة وقع المشهد الذى يتكرر كثيراً فى العصر المملوكى، وهو صراع الأمراء على الحكم وتم القبض عليه وعزله من الحكم وإيداعه السجن، وتنصيب شقيقه “صالح” الذى لقب بالملك الصالح صلاح الدين صالح، وما لبثت الحرب أن اندلعت من جديد وخلعه الأمراء أيضاً وقرروا عودة السلطان حسن، وفى تلك المرة عاد قوياً، بعدما صار شاباً ذاً خبرة بأمور الصراع فى هذه السن المبكرة.
وصفه المؤرخون بأنه كان ملكاً حازماً، مَهيباً، وشجاعاً، صاحب كلمة نافذة، لم يعتد شرب الخمر، ولم يرتكب فاحشة ظاهرة، فاختلف عن كثير من ملوك وأمراء المماليك،كما كان ذكيا وعاقلاً، رفيقاً بالرعية، ومتديناً وشهما.
وتحرص العديد من الوفود السياحية القادمة لمصر، على زيارة هذا الصرح المعماري المتفرد، وكان من أبرز الزائرين لهذا المسجد الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما وزوجته ووزيرة خارجيته هيلارى كلينتون وسفيرة الولايات المتحدة بمصر آنذاك آن باترسون، خلال زيارة “أوباما” لمصر عام 2009، والتى استمرت حوالى تسع ساعات قضى منها 37 دقيقة داخل المسجد، يتجول بين جدرانه.
اقرأ أيضا