التزوير في الجهات الحكومية ظاهرة تضرب بعمق في هيكل الإدارة العامة وتهدد المال العام، في دولة الكويت عبر مجموعة واسعة من الانتهاكات التي تتباين بين تزوير الشهادات والمؤهلات، واستغلال النفوذ والمناصب، وتلفيق الوثائق الرسمية، وما خلَّفه ذلك من تصدعات في منظومة النزاهة والرقابة.
وفي سبيل توثيق الحدث حاورت جريدة «الجريدة» مسؤولين سابقين بالجهات الحكومية، حيث تطرقت معهم إلى قضايا تتعلق بالاستيلاء على الأموال العامة والفساد المالي والإداري إلى جانب محطاتٍ مفصلية في هذا الصدد. ومن الشهادات المزورة إلى التقارير الطبية والإجازات الوهمية، يرصد الملف خيوط شبكة معقدة تتقاطع فيها المصالح والفساد والإهمال الإداري، لتكشف «الجريدة» للرأي العام حقائق صادمة عن واقع يستدعي إصلاحاً جذرياً وإرادة سياسية حازمة تعيد الثقة بمؤسسات الدولة
تقرأ في هذا الموضوع
د. بدر العيسى: ملف التزوير في الحكومة بدأ العمل عليه في 2015
في البداية، كشف وزير التربية والتعليم العالي الأسبق، د. بدر العيسى، عن تفاصيل مثيرة وخطيرة حول ملف مكافحة تزوير الشهادات، الذي بدأ العمل عليه تقريباً في عام 2015، مشيراً إلى أن هذه الجهود واجهت مقاومة مؤسسية عنيفة، مما أدى في النهاية إلى «ركن الملف»، وتوقف العمل به عام 2017.
مسميات التزوير في الحكومة
وأكد العيسى، في حوار مع «الجريدة»، أن التزوير له «تسميات عديدة» تشمل: مزورة، ومضروبة، وغير معتمدة، لكنها جميعاً تصبُّ في «قناة التزوير، وقناة البُعد عن الحقيقة»، مشيراً إلى أن البداية كانت عقب إثارة إحدى الصحف الأجنبية، موضوع الشهادات المزورة على المستوى العالمي، وكان للكويت «نصيب في هذا النشر»، وعلى إثر ذلك وجَّه النائب السابق فيصل الشايع سؤالاً برلمانياً، مما أدى إلى «مسك الخيط» والبدء في البحث.
العيسى: تزوير الشهادات أكثر تعقيداً من «الجناسي
وأوضح أن فكرة فتح هذا الملف تبلورت لديه في 2015، تزامناً مع مراجعة ملف تطوير التعليم مع البنك الدولي، والذي كان جاهزاً للتوقيع، وعندما طُرح الموضوع على مجلس الوزراء، كانت الاستجابة صادمة، حيث حذَّره البعض، قائلاً: «هذا البحر غزير شلك فيه».
ومن بين الوزارات التي تمنَّى العيسى أن تدخل في هذا الملف كانت وزارة الصحة، عازياً رغبته هذه إلى خطورة مهنة الطب، التي «تتعلق بحياة الإنسان»، ولأن الكشف عن «طبيب مزور» يُثير «قلق وعدم راحة وعدم أمن».
ومع ذلك، لم يكن هناك «تشجيع بالنسبة لوزارة الصحة ووزيرها للدخول في هذا الموضوع»، معتبراً أن الموضوع «شائك»، ويُشبه «عش الدبابير، وما لنا دعوة فيه».
وركَّز العيسى على وزارة العدل، حيث تمنَّى دخولها في هذا الملف، لكنها لم تظهر «الرغبة أو القبول» الكافيين، معللاً ذلك بأن اكتشاف هذه الشهادات يحتاج إلى «جهد مضنٍ وطويل
وذكر أنه بناءً على الموافقة التي حصل عليها من رئيس الحكومة الراحل الشيخ جابر المبارك، بدأ العمل بتشكيل لجنة برئاسة د. أحمد بشارة (رحمه الله)، ثم د. طارق دويسان بعد وفاته، وكانت البداية مركزة على الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.
وأضاف: «عندما شُكلت لجنة تقصي الحقائق، ثارت الثائرة في (التطبيقي)، حيث شنَّت جمعية أعضاء هيئة التدريس (الحرب) على اللجنة»، مبيناً أن اللجنة واجهت «عرقلة» في عملها، ولم يكن أعضاء هيئة التدريس متعاونين، ورفضوا تقديم معلوماتهم أو لقاء أعضاء اللجنة.
إحالة 259 للنيابة
وأوضح العيسى أنه بعد انتهاء عمل لجنة تقصي الحقائق في مايو 2016، خلصت النتائج إلى ضرورة التحقيق مع أكثر من 400 شخص. وعلى ضوء ذلك، شُكلت لجنة تحقيق أخرى، انتهت بإصدار قرار في موضوع جامعة أثينا، وتمَّت إحالة خريجيها إلى النيابة، مبيناً أنه أشار في تصريح سابق إلى إحالة ما يقارب 259 شخصاً من أصحاب الشهادات المزورة.
وبسؤاله حول مصير هؤلاء المزورين الذين تمَّت تبرئتهم لاحقاً، أكد أن التزوير موجود في كل المؤسسات، وأن المزورين «أحياء يُرزقون»، ويتبوأون مناصب، مشيراً إلى أن بعض أعضاء هيئة التدريس الذين لم يأخذوا إجازة دراسية «بعد فترة أحضر لنا شهادة الدكتوراه»، حتى ان تعيينه كان «بالتزوير» وغير مطابق للشروط، ومع ذلك «حكم القضاء لمصلحته».
وقال إن ملف تزوير الشهادات «أكثر تعقيداً من ملف تزوير الجنسية»، حيث لا يقتصر الأمر على التزوير المادي، بل يشمل أشكالاً متطورة يصعب إثباتها قضائياً، مبيناً أن أشكال التزوير التي يصعب كشفها تتمثل في شراء شهادة من جامعة غير معتمدة، وشراء شهادة من جامعة معتمدة بأختام مزورة، أو الالتحاق بجامعة معتمدة، لكن تتم الاستعانة بشخصٍ آخر يقوم بكل العمل أو بكتابة الرسالة (القلم الأجير).
وأكد أن الأحكام الصادرة بحق المزورين «ليست رادعة»، ففي حالة خريجي جامعة أثينا، كان الحُكم «فقط سحب شهادة الدكتوراه أو مسمَّى الدكتوراه، ثم يرجعون يدرسون على درجة الماجستير».
واعتبر أن مثل هذه الأحكام «لا تعطي الردع لمن يفكر في تزوير شهادته»، مشدداً على أن استمرار ممارسة المزورين لعملهم بعد سحب اللقب فقط «يفاقم من المشكلة ولا يحلها»، داعياً إلى أن تشمل العقوبة «استرجاع المقابل المادي» الذي أخذه المزوِّر عندما درس على مستوى الدكتوراه. وقف الملف
وبيَّن العيسى أن الفساد الأكاديمي «يطغى على ما هو موجود في الجامعة»، وخاصة في هيئة التطبيقي، مشيراً إلى دور النواب في تفاقم المشكلة، مبيناً أن بعثات «التطبيقي» لجامعة أثينا كانت قد بدأت بضغط من «نائب» على مدير الهيئة، ورضخت الإدارة لطلب هذا النائب لإرضاء «رغبات الناخبين».
ولفت إلى بعض النواب السابقين الذين يتجهون للدراسات العليا، «وهم نواب»، يذهبون «بالإجازات يقدمون الامتحان»، معتبراً أن هؤلاء السياسيين «هم الآفة التي تشجع بقية الناس على هذا التزوير».
توقف التحقيق
وأشار العيسى إلى أن لجنة التحقيق التي شكلها انتهت من عملها في يوليو 2016، لكن بعدما ترك الوزارة عام 2017 توقف العمل بالملف تماماً، مؤكداً أن «الموضوع توقف أو برد»، حتى ان برنامج تطوير التعليم مع البنك الدولي، الذي كان يحتاج 4 سنوات، توقف عمله «من دون أي تقييم».
خطة الإنقاذ من التزوير في الجهات الحكومية الكويتية
ورأى العيسى أن أهم توصية في القضاء على هذه الآفة هي تحقيق الردع المطلوب بإنشاء دائرة تعليمية مختصة في المحاكم، على أن تضم هذه الدائرة قضاة ومن كلية الحقوق، لأن «الأمور التعليمية تغيب عن القاضي غير المختص».
وشدد على ضرورة أن يتعامل القضاء مع موضوع الشهادات المزورة «معاملة حازمة أو بأحكام حازمة تردع من يفكر بهذا الأمر». الإجراءات التنفيذية ودعا العيسى إلى سلسلة من الإصلاحات الهيكلية لمنع استمرار هذه الآفة تتمثل في إنشاء لجان دائمة ومتخصصة: إذ يجب تشكيل لجان مستمرة دائمة لمكافحة التزوير، تكون مطعمة من الحقوقيين حتى لو كانوا قضاة، ويجب إدخال أعضاء هذه اللجان في ورش عمل مع المعهد القضائي لتحقيق عمل تعاوني.
مكافحة الفساد
من ناحيته، كشف وزير الصحة الأسبق د. محمد الجارالله عن إشكاليات جسيمة تعوق جهود مكافحة الفساد في القطاع الصحي بالكويت، مؤكداً أن الآفة الحقيقية ليست بالضرورة تزوير الشهادات العلمية، بل تكمن في بطء الإجراءات البيروقراطية التي تهدف لمنع التزوير، وتؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية ضارة بالخدمة الصحية.
أشكال أخرى من التزوير في الجهات الحكومية
وسلط الجارالله، في حواره مع «الجريدة»، الضوء على أشكال أخرى من التزوير الإداري، مثل «ادعاء الإعاقة» والتلاعب ب «تأمين عافية»، معتبراً أن الحلول المتخذة كانت «تعسفاً» ضد المرضى والمستثمرين.
شهادات الأطباء
ورأى أن التزوير في القطاع الصحي «ليس بظاهرة»، مشيراً إلى أن حالات تزوير الشهادات التي تظهر هي «حالات فردية ويتم اكتشافها»، وهي في المعدلات الطبيعية الموجودة في دول الخليج ودول العالم، مستدركاً: لكن الظاهرة «الملفتة» والمقلقة هي «الوسائل المتخذة والإجراءات لمنع التزوير» وأسلوب التعاطي معها.
وشرح أن الطبيب الذي يتقدم للحصول على ترخيص في الكويت، لكي يتم التأكد من شهادته، قد يستغرق التدقيق في ملفه «6 أشهر إلى سنة كاملة»، واصفاً هذا الأمر بأنه «غير مقبول»، ويؤدي إلى «هجرة الأطباء أو عدم حضورهم للكويت».
وعقد الجارالله مقارنة مع دول الجوار، حيث أكد أنه في دولة مثل الإمارات العربية المتحدة (تحديداً في دبي)، فإن عملية التأكد من الشهادة (سواء كانت مزورة أو غير مزورة) «لا تأخذ أكثر من أسبوع».
وخلص إلى أن الجهود المبذولة لمنع التزوير قد استخدمت وسائل وإجراءات أدت إلى «سلبيات كثيرة على القطاع الصحي سواء الحكومي أو الخاص».
القطاع الصحي
ورداً على تساؤل حول سبب انخفاض ظاهرة التزوير في القطاع الصحي مقارنة ب «الوزارات الأخرى» التي وصفها بأنها «مليئة» ب «مدعي الدراسة» الذين يشترون شهاداتهم، أشار الجارالله إلى سببين رئيسيين هما جانب التدقيق: وهو الجانب السلبي الذي يستغرق شهوراً طويلة، ثم جانب الممارسة العملية، حيث إن الطبيب الذي يمارس عمله «سوف ينكشف ثاني يوم» إذا كانت شهادته مزورة، خاصة إذا كان سيجري عملية، فبينما يستطيع حامل شهادة الدكتوراه في مجالات أخرى أن «يضلل» ويشتغل وكيل وزارة أو مدير إدارة دون أن يحتاج إلى «أن يعمل فيها» بشكل عملي ومباشر، فإن الطبيب «سوف يمتحن بالمقابلة» وسوف يظهر مدى ممارسته الحقيقية للمهنة والجراحة.
وذكر الجارالله أنه إذا لم يكن تزوير الشهادات هو الظاهرة الأبرز في القطاع الصحي، فإن أشكال التزوير الأخرى التي تدخل في الشق الإداري هي الأكثر انتشاراً. ولخص الوزير الأسبق أبرز قضايا التزوير في وزارة الصحة بأنها تشمل «تزوير التقارير الطبية، والإجازات المرضية، وقرارات الإعاقات، والتلاعب بملف العلاج في الخارج»، مشيراً إلى أن هذه تمثل «وسائل أخرى من الوسائل الإدارية» التي يحدث فيها شكل من أشكال التزوير.
وأكد ضرورة توحيد الرأي ليكون واضحا «دون الحاجة لخلق لجنة تظلمات تمرر» الواسطة بطريقة غير مباشرة «أو خلق» الاستثناءات من جهات عليا. محمد الجارالله: • الإجراءات التقليدية لمنع التزوير أدت إلى سلبيات كثيرة في القطاع الصحي •
الذكاء الاصطناعي هو الحل… ونهاية التزوير في القطاع الحكومي مرهونة ب «الداشبورد» •
وخصص الجارالله جزءاً كبيراً من حديثه لتسليط الضوء على خطورة التلاعب بقرارات الإعاقة، واصفاً ذلك بأنه حدث انهيار للقيم والأخلاق والمعاني في هذا الموضوع، مشدداً على أن ادعاء الإعاقة يمثل شكلاً واضحاً من أشكال التزوير، فعندما تعطى شهادة إعاقة لشخص غير مستحق أو شخص يدعي أن لديه إصابة غير واصلة إلى مرحلة الإعاقة، ثم يأتي بواسطة عن طريق نائب أو غيره «ويحصل على الإعاقة، فإنه يتمتع بامتيازات مالية وقانونية ويحصل على المزايا والرواتب، وهذا ضرب من ضروب التزوير في اللجان.
ووصف هذا السلوك بأنه ظاهرة مدمرة حقيقة للعمل الإداري، مشيراً إلى أنه لاحظ هذه الظاهرة خارج المسؤولية في مرحلة من المراحل. حلول مستقبلية وعند سؤاله عن الحلول الموصى بها للدولة لمكافحة التزوير، كانت إجابته حاسمة ومختصرة: الذكاء الصناعي هو الحل.
وأكد الجارالله أن الذكاء الصناعي ليس فقط للتزوير، بل لكل القضايا الإدارية، معتبراً أن تطبيقه بالطريقة الصحيحة قد يمكن حتى سمو رئيس الحكومة من متابعة الوزراء والوكلاء ونشاطهم اليومي من خلال الداشبورد.
وانتقد الجارالله استخدام الحكومة إجراءات حازمة تكون في غير مصلحة الوطن أو مصلحة الخدمة، وأعطى مثالاً على ذلك بإلغاء مشروع «تأمين عافية»، الذي أكد أنه بالرغم من أنه لم يؤيد إنشاءه منذ البداية لكونه نتاج «تكسب بعض نواب مجلس الأمة» ووجود «حكومة ضعيفة»، فإنه من الناحية الاقتصادية والمهنية «أمر غير صحيح» أن تكون هناك خدمة مجانية وتعطى عليها تأمين. لكن عند إلغاء «عافية»، فإن الحكومة «عاقبت المرضى»، كما أدت عملية الإلغاء إلى «انهيار للقطاع الخاص الصحي بالكويت»، مشيراً إلى أن الإلغاء جاء بقرار مفاجئ دون مناقشة البدائل.
واستطرد: «لكن من الذي واجه هذا المشروع المتكامل؟ واجهته وزارة الصحة والقائمون عليها»، مشيراً إلى أن دول الخليج «كلها طبقت التأمين على المواطنين والمقيمين»، بينما لا تزال الكويت تتخلف. كما أعرب عن ألمه تجاه خطة وزارة الصحة الحالية، التي تعرض «بشكل لافت ذي بريق إعلامي كبير»، لكن عند النظر إلى محتواها (إنشاء مستوصف وإنشاء مستشفى) تجد أنها «لم تتحدث عن مشروع الضمان الصحي الذي سيشمل 40 في المئة من السكان».
حزم «الداخلية»
ووجه الجارالله رسالة إلى المسؤولين بوزارة الصحة والحكومة بضرورة محاكاة جهود وزارة الداخلية في مكافحة الفساد، وخاصة الإجراءات التي يتخذها النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف في التدقيق على الهوية الوطنية.
وأكد أن التدقيق على الشهادات العليا «كان ظاهرة موجودة في كل الدوائر والمؤسسات الحكومية مع الأسف الشديد»، وكان الحصول عليها «بمنتهى السهولة»، آملا أن تكثف الحكومة جهودها في مجال التدقيق على الشهادات «ولا يستثنى أحد من هذا التدقيق»، معتبراً أن هذا سيكون من «أكبر الإيجابيات» في «عهد الحزم والإصلاح» الحالي. وحذر من تكرار خطأ «عافية»، داعياً المسؤولين إلى أن يأخذوا في ملف الجانب الطبي نفس خطوة وزارة الداخلية في الفحص، «ولكن ما يعقدونها مثل ما تعقدت»، فقرار منع التلاعب يجب أن يأتي وله «قرارات أخرى مساندة تخفف الضرر وتقوم بوضع الحلول المنطقية الطبيعية لتداعيات» أي قرار، مختتماً حديثه بالتأكيد على أن «الحكمة مطلوبة» في التعامل مع هذه الملفات المعقدة.
وفي تحليل قانوني شامل، أكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء الأسبق المستشار يوسف المطاوعة أن «جريمة التزوير تشكل خطراً بالغاً يتجاوز نطاق الاعتداء الفردي على المستندات، لتصبح اعتداءً مباشراً على النظام العام والكيان القانوني للدولة».
وقال المطاوعة، في حديثه ل«الجريدة»، إن التطبيق العملي يكشف عن نقص في بعض جوانب التغطية القانونية يتطلب تعديل التشريعات، موضحاً أن قانون الجزاء الكويتي نص على جريمة التزوير وصنفها ضمن جرائم الجنايات، وبناء على المعروف لدى دارسي القانون ومطبقيه، تنقسم الجرائم إلى نوعين رئيسيين، جنايات وجنح، حسب العقوبة التي يقررها القانون للفعل الإجرامي.
المطاوعة: التزوير «جناية» تهدد الكيان القانوني والنظام العام •
وأكد أن المشرع الكويتي اعتبر جريمة التزوير جناية، مما يعني أن عقوبتها تزيد على الحبس ثلاث سنوات، مبيناً أن المشرع يفرق، وفقاً للمادة 257 من قانون الجزاء، بين التزوير في المحررات الرسمية والتزوير في المحررات العرفية، حيث وضع عقوبة خاصة لكل جريمة حسب جسامتها. الأركان الجنائية وذكر المطاوعة أن جريمة التزوير لا تقع إلا بتوافر أركانها القانونية، عملاً بمبدأ «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، موضحاً أن قانون الجزاء نص على أن التزوير يقع بالإملاء أو الكشط أو المحو أو بتغيير الحقيقة بشكل عام في محرر، سواء كان رسمياً أو عرفياً.
وأكد أن عملية التزوير تهدف إلى استعمال المحرر على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة، لافتاً إلى أن الركن المادي للجريمة يتمثل في تغيير الحقيقة بالمحرر، بينما يتمثل الركن المعنوي في القصد لاستعمال هذا المحرر بعد أن تم تزويره أو تغيير الحقيقة فيه، وشدد على أن خطورة هذه الجريمة تأتي من أن إضعاف الثقة في النظام العام والكيان القانوني يؤدي إلى عواقب كثيرة.
وأوضح أن الإحصائيات الرسمية، التي تم تداولها، أشارت إلى تضاعف أعداد الجنايات بالكويت في الفترة من 2019 إلى نهاية 2023، فبينما كانت الجنايات حوالي 6600 جناية عام 2019، وصلت إلى نحو 11600 في عام 2023.
وأشار إلى أن هذا التضاعف العام يعني أنه من الطبيعي أن تتضاعف جرائم التزوير أيضاً بنفس النسبة، ورغم أن بعض جرائم التزوير قد تعتبر جنحاً إذا لم تقع في محرر رسمي، فإن هذا المقياس (تضاعف الجنايات) اتخذ للقول بتضاعف جرائم التزوير.
ودعا المطاوعة إلى ضرورة إدراك خطورة هذه الزيادة ووضع تشريعات تلاحقها، نظراً لما تخلفه من آثار قانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ففي الجانب القانوني إذا تم ضبط المتهم وقُدّم للمحاكمة، يُبطل المحرر المزور، ويواجه المتهم العقوبة الجنائية أو التأديبية، بالإضافة إلى العقوبة المدنية التي تتمثل في تعويض المضرور.
وأوضح أن الآثار المترتبة في الجانب السياسي تتمثل في أن التزوير له انعكاس على إضعاف هيبة الدولة وضعف الأمن الوطني أو المساس به، فعندما تُفقد الثقة في المحررات الرسمية التي يحررها موظفون عامون تضعف الثقة في الجهاز الوظيفي، وهو ما يسمى ب«نقص الائتمان في الأمن الوطني».
أما في الجانب الاقتصادي فذكر أنه إذا تم التزوير في محررات البنوك أو الأوراق العرفية كالشيكات، فإن الثقة في الجانب المالي والائتمان المصرفي تُفقد، بينما في الجانب الاجتماعي فإن انتشار هذه الجريمة يؤدي إلى وجود عدم ثقة بين الناس مما يولد الضغائن والعداوات.
من أشكال التزوير تزييف شهادات الميلاد والمؤهلات الجامعية والماجستير والدكتوراه التطور التكنولوجي وشدد المطاوعة على ضرورة أن تكون التشريعات مواكبة للتطور التكنولوجي الذي طرأ، حيث لم تعد المستندات مجرد أوراق فقط، بل أصبح التعامل أقرب إلى الإلكتروني، مطالباً بأخذ الصور الجديدة للتزوير في الحسبان عند تعديل التشريعات، لأن الفكر الإجرامي في طبيعته متطور. ورأى أن الأولوية القصوى في الملاحقة يجب أن تتوجه نحو تتبع من زوّر بقصد تغيير الهوية الوطنية.
ومن خلال الاطلاع على أحكام المحاكم والقضايا المتداولة بشأن التزوير، ذكر المطاوعة أمثلة لأنماط التزوير الشائعة التي يجمعها رابط تغيير الحقيقة خلاف الواقع، مثل «التزوير في شهادات الميلاد كذكر اسم الأب غير الصحيح، أو الشطب في البيانات (تزوير بطريق الشطب)، أو الإملاء على الموظف بمعلومات مخالفة للحقيقة».
ويضاف إلى ذلك، كما ذكر المطاوعة، «التزوير في الشهادات العلمية، وخاصة الشهادات الجامعية وما فوق (الماجستير والدكتوراه)، وقد تكون هذه الشهادات صادرة من جهات علمية غير معتمدة، أو تكون بياناتها خلاف الحقيقة، كادعاء حضور الكورسات أو تقديم البحث في حين أن الشخص لم ينتسب أكاديمياً بالشكل الصحيح، والتغيير في اللوحات العامة، مثل لوحات تحديد السرعة، كإضافة خط لتحويل سرعة 40 إلى 140، وهو ما يعتبره القانون تلاعباً بمحرر رسمي».
وناشد المعنيين ضرورة إيجاد جهاز فني يغلب عليه الجانب القانوني والعلم الجنائي والأدلة الجنائية، ليتمكن من تتبع المواضع التي يرد فيها التزوير، سواء في الشهادات العلمية أو في الهوية الوطنية والتركيبة السكانية. وحول إمكانية تزوير الأحكام القضائية، أكد أنه لا علم له بوقوع تزوير لحكم جزائي أو قضائي، وعزا ذلك إلى أن الحكم القضائي يتضمن دائماً أطرافاً، فإذا حدث تزوير فإن الطرف الآخر سيكشفه فوراً، بالإضافة إلى ذلك فإن مرجعية الحكم، مسودة الحكم، وتسبيب الأحكام وطريقة إصدارها منضبطة، والتزوير في الجانب الجزائي يقع عادة في المنطوق (سواء براءة أو إدانة أو غرامة أو حبس).
اقرأ أيضا
تزوير الجناسي .. رقم قياسي لـ سوريان في عدد المضافين على ملفهما











