حواري مصر القديمة .. وراء اسم كل حارة وشارع بالقاهرة “المحروسة” قصة وحكاية لتسميته بهذا الاسم أو ذاك تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، من هذه الحواري «المبيضة»، «بهاء الدين»، «الإشراقية»، و«الذي كفر».
تجولت – إيجي بوست- بين صفحات التاريخ لتقدم لقرائها بعضا من هذه القصص والحكايات التي يتناقلها المصريين عن أسباب تسمية هذه الشوارع و حواري مصر القديمة بهذه الأسماء .
تقرأ في هذا الموضوع
شنق الشيخ حجاج الخضري في حارة المبيضة .. إحدى حارات مصر القديمة
أولى الحكايات عن حارة “المبيضة” التي تقع بشارع الجمالية (حبس الرحبة سابقاً)، وهي أشبه بالزقاق، وسميت بهذا الاسم بسبب انتشار ورش تبيض النحاس به بشكل كبير في العصور السابقة؛ والتي أصبحت محدودة، وحلت مكانها محلات البقالة والمخلل وبيع الدجاج، ولكن بعض «حريفة» الحارة ما زالوا معتزين بحرفتهم النادرة؛ ويصنعون المنتجات النحاسية «مبخرة، أطباق، صواني، كنكة، وسبرتاية».
بوابة الحارة ما زالت باقية؛ عند خانقاة سعيد السعداء (دار الصوفيين المنقطعين للعبادة التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي) ومقابل شارع التمبكشية وعلى ناصية سبيل وكتاب أودة باشا، عرضها حوالي 2.5 متر، وتتخذ شكل قوس من البناء الحجري يعلوه صف من الشرفات الحجرية؛ أنشأها الأمير محمد كتخدا وأخوه ذو الفقار، عام 1673 م، ومعها سبيل وكتاب «أوده باشا»، على نمط عمارة العصر المملوكي.
مثل غيرها من البوابات القديمة كان يحرسها الخفير، لمنع دخول اللصوص أو الغرباء؛ فتُغلق في الليل بأقفال خشبية «الضبة»، ولا تُفتح إلا لسكان الحارة، أو الزائر المعلوم، وعلى الذين يرغبون في التنقل أن يحملوا الفوانيس، وفي العادة كانت ثمة نقط حراسة من رجال الإنكشارية تكمل نظام حراسة الأحياء.
شهدت تلك البوابة شنق «حجاج الخضري»؛ شيخ طائفة الخضرية في القاهرة وفتوة حارة المبيضة وكبيرها، وكانت كلمته مسموعة ومُهاب الجانب؛ بناحية الرميلة، التي تتبع الآن قسم الخليفة وتُعرف باسم المنشية، وكان مع قوة جثمانه خفيف الحركة، نشيط الساعد يروع أعداءه بسلامة خططه و شجاعته وقوة بأسه، وصار القائد المحبوب الموثوق به لدي أبناء البلد، وكان له أدوار كبيرة في الكفاح ضد الفرنسيين وطغاة العثمانيين والمماليك بجرأة نادرة وبطولة فذّة.
وخلال السنوات الأربع التالية لخروج الحملة الفرنسية من مصر أخذت أحوال البلاد تسير من سيئ إلى أسوأ؛ وتوالت الاحتجاجات الشعبية وتصاعدت في غضب محموم، والبنادق والسيوف بالنبابيت تشرئب في توعّد مخيف.
الثورة الشعبية على الوالي العثماني خورشيد باشا
وذاع صيته كثيرًا أثناء الثورة الشعبية علي الوالي العثماني «خورشيد باشا»؛ الذي عزله الشعب لبغيه وفساده، ولكنه رفض الامتثال؛ والتي ترقى إلى حرب أهلية استغرقت ثلاثة أشهر (من 13 مايو حتى 11 أغسطس عام 1805م)؛ وقد حاصر الشعب القلعة بقيادة الأشراف والعلماء ورجال الدين وبعض جنود محمد علي؛ الذين تخلوا عنه لأنه لم يستطع أن يوفر رواتبهم؛ رغم وعوده لهم، وتركوا المتاريس فحل محلهم أولاد البلد.
وفتح «الخضري» أبواب دكاكينه مجاناً، وراح يضع الخطط ويوزع رجاله لإحضار ما يلزم لإقامة المتاريس ومستلزمات الحصار.
ورغم انطلاق القذائف من فوق القلعة، كان يسارع إلى نجدة المصريين؛ فعندما هاجم جنود خورشيد حي المظفر واعتدوا على المواطنين وأخذوا أسلحتهم، وأجلوا الثوار عن متاريسهم وأقاموا خلفها، أسرع بمن معه وهاجم الجنود وفتك بالكثير منهم.
وسهر ورجالة كثيراً لمنع تسرب الإمدادات والمساعدات من ناحية الجبل إلي القلعة؛ وانقضّوا على قافلة معونة عسكرية حمولة ستون جملًا من علي باشا السلحدار؛ فأخذوا منهم الجمال وقتلوا شخصين من العسكر وقبضوا على ثلاثة آخرين وحضروا بهم إلى عمر مكرم؛ فأرسلهم إلى محمد علي الذي أمر بقتل الباقين.
واستطاع العثور على احدي المدافع التي تركها الفرنسيون بعد خروجهم من مصر؛ ونصبه هو ورجاله وقصفوا القلعة به، وتمكن من السيطرة على الأوضاع، وعندما جاء مندوب الباب العالي بقرار تعيين محمد على واليًا على مصر، حماه وأجبر خورشيد على الخروج من القلعة.
تمضي السنين و«الخضري» هو الفتوة مسموع الكلمة؛ ولكنه يخشى تخلص الباشا منه؛ ففر إلى مسقط رأسه في قرية المنوات بالجيزة، ولكن سرعان ما عاد إلي القاهرة؛ بعد أن طمأنه الباشا أنه ليس هناك نية سيئة تجاهه، ثم يختفي مرة أخري حتي فوجئ ببعض العسكر يلقون به في المحبس بدعوى التمرّد، وشهد فيه أقسى أنواع المهانة، وفي ليلة الخميس 17 رمضان عام 1232 الموافق 31 يوليو عام 1817 دخل عليه العسكر يتقدمهم المحتسب مصطفى كاشف حاملاً أمراً من الوالي بشنقه؛ وتم ذلك وقت السحور، وتركوه معلقًا ليوم كامل، ثم أذن برفعه فأخذه أهله ودفنوه؛ لتختفي سيرة أحد الفتوات الذين كان لهم دوراً كبيراً في المقاومة الشعبية.
حارة قراقوش .. إحدى حواري مصر القديمة
شارع “بين السيارج” في منطقة الجمالية كان يسمى حارة الريحانية والوزيرية؛ وهما طائفتان من عساكر الفاطميين، كان فيها لهما دور عظيمة وحوانيت عديدة.
وكانت فى بداية عصر الدولة الفاطمية خارج سور القاهرة مباشرة، حيث كان باب الفتوح القديم عند ناصيتها، وبعد أن بنى بدر الجمالى باب الفتوح أصبحت الحارة داخل القاهرة الفاطمية.
سكنها بهاء الدين قراقوش الأسدىّ؛ الوزير المشهور في عصر صلاح الدين الأيوبي، والذى أشرف على بناء المنشآت المعمارية العظيمة فى عصره، فتمت تسميتها حارة « بهاء الدين»، وكان على ناصيتها مع شارع قصبة القاهرة سوق المرحلين؛ يباع فيه رحلات الجمال لاستعمالها فى سير القوافل.
و«قرة قوش»؛ لفظ تركى معناه النسر الأسود؛ وربما أطلق عليه بسبب مهنته كقائد عسكرى أو بسبب ارتدائه الدائم للزى الأسود، ويقال أن الذى لقبه بذلك هو صلاح الدين الأيوبى.. كانت وفاته في مستهل شهر رجب، سنة 597هـ بالقاهرة، ودفن في تربته المعروفة به بسفح المقطم، بقرب البئر والحوض الذين أنشأهما على شفير الخندق.
بالقرب من الحارة توجد “زاوية أبو الخير الكليباتى” بشارع المعز لدين الله؛ ذات الأهمية رغم صغرها وقلة زخارفها؛ وكان بها بئر تعتقد فيه النساء بالاستشفاء فتضعن فيه أقدامهن وتغسلنها؛ وقد تم غلقه وبطل هذا الاعتقاد.
واختلفت الروايات حولها؛ حيث يذكر المؤرخ المملوكى ابن إياس أن تاريخها يعود إلى عام ١٠٥٣ م، وأنشأها السلطان الغورى لاعتقاده فى الشيخ الكليباتى، وكذلك ذكرها على باشا مبارك فى خططه بتاريخ١٥٢١ م؛ وقام العالم الإنجليزى كريزول بعمل حفائر بها، واثبت أنها تعود للعصر الفاطمى.
ويذكر الشيخ الشعرانى، العالم الصوفي الكبير، فى كتاباته إن “الكليباتى” من أولياء الله الصالحين، وله مواقف عديدة مع الأهالي، وكانت الكلاب تسير معه؛ ومن هنا جاء الاسم. وكان يتم إرسالها لقضاء حوائج الناس بعد أن يشتري صاحب الحاجة رطل لحم لها، وساد اعتقاد أنها من الجن. كما كان يدخل “الكليباتى” جامع الحاكم ومعه تلك الكلاب؛ ويقضى معظم أوقاته فى المضيئة (مكان بوسط الجامع للوضوء).
دُفن الكليباتى بالقرب من جامع الحاكم بتلك الزاوية، حيث كان يوجد حول الضريح مقصورة خشبية عليها تاريخ تجديد سنة ٩٢٧ هجرية.
وعلى رأس الحارة توجد دار الأمير شمس الدين قراسنقر؛ الذي بناها الأمير وأوقف ريعها على المدرسة القراسنقرية إلى أن اغتصبها الأمير جمال الدين الاستادار في عصر السلطان النصار فرج بن برقوق، ثم صارت ملكيتها أخيرا إلى الأمير طوغان الداوادار.
وذكر علي مبارك أن هذه الدار كان بها مطبخ العسل الذي يملكه الشيخ التميمي مفتى الحنفية، ثم هدمه ليبنى في موقعة حمامين وحوانيت؛ ولكنه توفى فقام ابنه الشيخ عبدالرحمن ببناء دار وعمارة آلت ملكيتها في النهاية الى الشيخ محمد سليم عبدالرحمن.
وقد بُنى على جزء من دار قراسنقر وكالة النيلة بشارع باب الفتوح. وهي من الدور والقصور التي ذكرها المقريزي واندثرت بعد القرن 15 م.
الحارة المحمودية .. إحدى حواري مصر القديمة
عند الدخول إلى شارع المعز لدين الله من باب زويله (بوابة المتولى) وعند الانتهاء من سلالم جامع المؤيد يبدأ شارع الاشرقية؛ الذي كان يعرف قديماً بالحارة المحمودية؛ وكانت تشغل المنطقة التي يتوسطها اليوم شارع الاشرقية والنصف الشرقي من شارع النبوية بقسم الدرب الأحمر.
ذلك الشارع الهادئ ذو الطبيعة المختلفة يقول عنه على باشا مبارك: “درب سعاده من أشهر حارات القاهرة وأقدمها إلا أنها قد أختلطت عند العامة بحارة المحمودية المعروفة اليوم بالاشراقية وصار درب سعاده يطلق على الحارتين معا لكن ما يقرب من جامع المؤيد يسمى بالاشرقية لأن هناك وكالة معدة لبيع الاشراق (أعواد ثقاب كبريت ) وحطب الوقود”.
ولا تزال بقايا حمام المؤيد بحارة الإشراقية قائمة تشهد بمدى عظمة وفخامة ما كان عليه، فكان اتساع قطر قبته عشرة أمتار، وضاع معها العديد من معالمها، ومنها الشريط الكتابي الضخم أسفل القبة، كذلك الشبابيك الجصية المعشقة بالزجاج الملون، والتي كانت تحيط بالرقبة.
حارة الكاشف إحدى حواري مصر القديمة .. وقصة الزوجة جلنار الجركسية والسيدة نفيسة
في قصة حواري مصر القديمة .. نشير لـ إلى أنه كان يوجد فى “الاشراقية” باب خلفى مشترك لمسجد المؤيد شيخ ولنادى الدرب الأحمر الرياضى؛ يقابله عطفة “حمزة الكاشف“؛ الذي كانت زوجته جلنار فاتنة شقراء من أصول جركسية، وحدث ذات جمعة أن هطلت الأمطار بغزارة من الفجر وحتى العشاء، وكان النهار رمادياً كئيباً، وأطبق الغيم، وأرعدت السماء رعدا قويا، وأبرقت برقا ساطعًا، وظل البرق والمطر يتسلسل غالب الليل، على غير عادة شهر إبريل عام 1788، ورددت جلنار في سرها بعض الدعوات، ونامت وهي خائفة ترتجف من انقباض غامض يكتم صدرها.
في الصباح استيقظت بمزيد من الكآبة، وجاءها “فاعل خير” بأخبار مفزعة؛ فسرت لها سر الانقباض الذي يكدر مشاعرها ويؤرق نومها، فقد حكى لها أن زوجها الدويدار حمزة كاشف، أخذ عددا من الفرسان وتوجه إلى سوق إمبابة، وألقى القبض على صائغ رومي كانت تشتري منه المجوهرات والحلي، وحبسه منذ أيام، وعذبه ببشاعة.
وقال لها: لقد علمت أنه يشك في علاقة غرامية بينك وبين الصائغ، وقد احتاط لنفسه واستأذن مولاه الأمير حسن بك الجداوي في الانتقام لشرفه، فأطلق الجداوي يده في التصرف، فعاد وأشرف بنفسه على تعذيب الصائغ؛ فقلع عينيه، وخلع أسنانه، وقطع أنفه وشفتيه وأطرافه حتى مات، وبعدها خرج مع فرقة الجند لنهب حانوته بما فيه من جواهر ومصاغ، واشترك معه أمراء الجداوي الآخرين في نهب بقية السوق، وقال “فاعل الخير”: المعلومات التي وصلتني تؤكد أن الكاشف سيعود إلى البيت غاضبا ليقتلك.
استجمعت جلنار سر توتر العلاقة بينها وبين زوجها مؤخرًا، واستبعدت دافع الغيرة، لأنه لايلائم نفسيته المتبلدة، الذي يخونها كل ليلة، وهو يعرف تمام المعرفة أنها تعلم ذلك، لكنها خشيت أنه دبر ذلك كله ليبرر نهبه لمحل الصائغ وليتقرب من أميره، وليتخلص منها من ناحية أخرى؛ ليخلو له البيت فيتزوج من ابنة أحد السادة أو الأمراء الكبار لتدعيم سلطته.
هربت جلنار من البيت فوراً؛ دون جمع مصوغاتها وملابسها، وأخذت وصيفتها وانطلقت إلى بيت السيدة نفيسة البيضا، وحكت لها القصة؛ فاستضافتها وأغاثتها، ولما شكا زوجها للأمير الجداوي، فبعث لها يستأذن في عودة الزوجة إلى بيت زوجها؛ فرفضت وردت برسالة حاسمة: أؤمر حمزة أن يطلق جلنار ولا يتعرض لها لأنها في حمايتي، وقبل أن ينطق الزوج معلقا، قال له أميره: طلقها، وتزوج غيرها فليست آخر النساء.
وعاشت جلنار في حماية السيدة نفيسة قادن بنت عبدالله؛ المرأة القوية التي عارضت الحكام وواجهت نابليون وخورشيد باشا ومحمد علي، وأسست امبراطورية تجارية ومنظمات اجتماعية وخدمية تعتبر نواة للعمل النسائي العام في مصر، وصاحبة السكرية والسبيل المشهور أمام مسجد المؤيد.
حارة الذي كفر ..إحدى حواري مصر القديمة
عندما جاء نابليون بحملته العسكرية إلى مصر عام 1798، كلف المهندس كفاريللي بعمل جسر على النيل، وبالفعل قام بالعمل على خير، وسكن في حارة بجوار الجسر فتم تسميتها باسمه، لكن اللطافة والسخرية التي تميز المصريين جعلتهم يطلقون عليها حارة ” اللي كفر”، ومرت عشرات الأعوام ونسي الناس سبب التسمية بهذا الاسم؛ إلى أن قامت مصلحة التنظيم بمراجعة الأسماء، ولم يعرفوا أصل الحكاية فقاموا بتعديل يجاري الاسم، وجعلوا اسمها ” الرجل الذي كفر”!!. … وفقا لتقرير حواري مصر القديمة .
وقد تنبه الأديب يحيى حقي لهذه الطرفة وأوردها في كتابه ” خليها على الله ” طبعة أكتوبر 1959. وفي مطلع الستينييات كتب مصطفى مشرفة رواية تؤرخ لثورة 1919 كان عنوانها ” قنطرة الذي كفر” إشارة إلى جسر كافاريللي. وسر تسميتها بهذا الاسم الغرائبي يعود للقنطرة التي كانت في درب الجماميز والموصلة لبيت”كفاريللي”.
ويقول الجبرتي في عجائب الآثار، أن أهل مصر نظروا للفرنسيس بعين الذلة والاحتقار وأنزلوهم عن درجة الاعتبار وكشفوا نقاب الحياء معهم بالكلية وتطاولوا عليهم بالسب واللعن. ومن هنا كان تحريف العامة لأسماء قواد الحملة الفرنسية وإطلاق أسماء ساخرة أو تخفيف الاسم لأنه ثقيل النطق عليهم.. فالقائد الذي تولى شرطة القاهرة “بارتولومي ” حرفوه إلى فرط الرمان، وكانوا يهتفوا بكلام مقفى ” الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان”.
اقرأ أيضا
الحد الأدنى للأجور .. مجلس الوزراء يعلن تفاصيله بداية من الدرجة الممتازة لـ السادسة
زيادة المرتبات .. قرار جديد للمالية لتوضيح كيفية احتساب الـ1000 جنيه للجميع
مشروع التجلي الأعظم بسانت كاترين .. ننشر تفاصيل أحدث قرارت الوزراء بشأنه
منصة إلكترونية لخدمة أصحاب المعاشات والتأمينات .. إليك التفاصيل
شاهد