75 عاما هي رحلة ابن تاجر الغلال في هذه الدنيا بدأت منذ ميلاده عام 1889 في حي باب الشعرية بالقاهرة، حيث يملك والده قطعة أرض هناك أجرها لشخص أخر أقام عليها حماما شعبيا.
أصبح هذا الفتى واحد من أكبر رجال الاقتصاد في النصف الأول من القرن العشرين ممن تركوا بصماتهم في قطاعات مختلفة “التجارة والمقاولات والنقل” وغيرها.
عاصر “أحمد عبود باشا” الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وثورتي 1919 وثورة 23 يوليو 1956 إلى أن فارق الحياة في 1964 في لندن.
تقرأ في هذا الموضوع
رحلة عبود باشا التعليمية
أنهى “عبود باشا” دراسته الابتدائية والثانوية في مدارس القاهرة، وتوجه بعدها إلى إنجلترا لدراسة الهندسة في جامعة جلاسجو، لينال شهادته العليا ويعود للوطن، لينطلق في حياته العملية.
بدأت رحلة “عبود باشا” العملية بمساعدة والده في إدارة الحمام الشعبي الخاص بوالده في منطقة باب الشعرية بعد أن توقف المستأجر عن دفع الإيجار ليسترده والده ويديره بنفسه، ولكن الأمر لم يستمر طويلا فقد وجد الابن “أحمد” فرصة عمل في تفتيش “الفيكونت” – النبيل- الفرنسي هتري جابرييل – الذي يملك 6 آلاف فدان وقصرا فخما على النيل – براتب 5 جنيهات بمدينة أرمنت في صعيد مصر.
ولكن “أحمد” عبود سرعان ماضاق صدره في العمل بإقطاعية “هنري”، واستعانت الحكومة العثمانية بخبراته فكلفته وزارة النافعة ببعض الأعمال الهندسية فأنجزها وحصل بذلك على النيشان العثماني الرابع، ثم مُنح رتبة البكوية الممتازة، لينطلق بعدها لمحطة أخرى وهي السفر إلى العراق ليشارك في إنشاء سكة حديد “بغداد” أثناء نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914 بمشاركة السير ويليام ويلكوكس مهندس الإنشاءات البريطاني الذي سبق له العمل في مصر وتركيا في أعمال إنشائية بقطاع الري.
عبود باشا شارك في إنشاء شبكات السكك الحديدية في فلسطين وسوريا
شارك “عبود” في إنشاء شبكات السكك الحديدية في فلسطين وسوريا، الأمر الذي مهد له الطريق في الحصول على تكليف من المندوب السامي البريطاني اللورد “ألنبي” لإنشاء عدد من الطرق والكباري العسكرية في فلسطين.
أثناء عمله تعرف على مدير الأشغال العسكرية للجيش الإنجليزي وارتبط بقصة حب مع ابنته “ميما” انتهت بالزواج، لتبدأ بعدها رحلة التحول الكبيرة في حياة المهندس أحمد عبود فقد أسندت إليه معظم أشغال الجيش الإنجليزي في فلسطين ومدن القناة.
حصل أحمد عبود على رتبة الباشوية من الملك فؤاد سنة 1930، وقدرت ثروته في الثلاثينيات من القرن الماضي بأكثر من عشرة ملايين جنيه مصري أو ما يعادل نحو 30 مليون دولار أمريكي.
عبود باشا ساهم في إقالة الوزارة مرتين
تسبب عبود باشا في إقالة الوزارة مرتين: إحداهما عام 1934 في وزارة عبد الفتاح يحي باشا، فبعد أيام من عمر وزارته ثارت أزمة تتعلق بوزير الأشغال عبد العظيم راشد باشا الذي عهد ببعض المقاولات إلى أحمد عبود بالمخالفة للقوانين واللوائح، ونشرت الصحف الأنباء مزودة بالتفاصيل، ووصل الأمر إلى إحالة الموضوع للنيابة ثم إلى القضاء.
ولكن عبود الذي كانت تربطه بالمندوب السامي البريطاني مصالح واسعة لم تهزه الأزمة حيث تدخل المندوب السامي لدى الملك فؤاد الذي ضغط على رئيس الوزراء لتقديم استقالته فاستقال رئيس الوزراء الذي ذكر في كتاب استقالته أنه قدمها بناء على رغبة الحكومة البريطانية دون تفريط في حقوق البلاد.
وفي أعقاب حريق القاهرة قدم “عبود باشا” رشوة مليون فرنك للملك فاروق لإقالة وزارة نجيب الهلالي التي قدرت متأخرات ضريبية عليه بنحو خمسة ملايين جنيه.
وبلغ من نفوذ “عبود” أنه أجبر طلعت حرب مؤسس بنك مصروأشهر أعلام النهضة المصرية على الاستقالة من بنك مصر في 14 سبتمبر 1939 الذي أسسه بعرقه وجهدة.
عبود باشا ملك القطن
فقد اشترك عبود و فرغلي باشا ملك القطن على سحب ودائعهم من البنك بمعدل نصف مليون جنيه يومياً حتى بلغ السحب ثلاثة ملايين جنيه، كما هدد وزير المالية أيامها حسين سري صديق عبود بسحب ودائع الحكومة فاضطر طلعت حرب للاستقالة حتى لا يهتز مركز البنك وترك إدارته لحافظ عفيفي طبيب الأطفال الصديق الأثير للإنجليز ولعبود.
اتسعت ثروات عبود حتى أنه اشتري تفتيش الكونت الفرنسي فونتارس الذي تبلغ مساحته نحو ستة آلاف فدان، والذي سبق وأن عمل فيه في بداية حياته، كما اشتري عبود قصر الكونت في أرمنت، وأطلق عليه “سراي عبود” وكانت تضم حديقة تضم كل أنواع الزهور والفاكهة النادرة والخضروات مع ملاعب شاسعة للتنس والإسكواش والبولو والجولف والكروكيت وحمام للسباحة.
عبود باشا أنشأ عدة شركات صناعية في مصر
تشعبت بعد ذلك أعمال عبود باشا فأنشأ عدة شركات صناعية في مصر وانجلترا اضطلعت بإنشاء السفن والطرق والكباري، كما امتلك معظم أسهم شركة الفنادق المصرية وشركة صناعة الأسمدة بـعتاقة وشركة الكراكات المصرية، وغيرها من شركات الصناعات الكيميائية والتقطير والغزل والنسيج التي أنشأها قرب نهاية أربعينيات القرن العشرين.
امتدت إمبراطورية عبود باشا إلى دائرة السياسة، وكان لطائرة عبود باشا الخاصة دور مؤثر في حادث 4 فبراير 1942، فهي التي حملت مصطفى النحاس الذي كان في ضيافته بقنا لتعود به سريعا إلى القاهرة ليباشر تشكيل الوزارة عقب الإنذار الإنجليزي للملك فاروق ومحاصرة الدبابات البريطانية لقصر عابدين، وجاء ذلك بعد اجتماع ثلاثي جمع النحاس والسير مايلز لامبسون وعبود في قصره بأرمنت.
وتحفل الوثائق البريطانية عن عام 1944 بتفاصيل جهود بذلها عبود باشا في لندن للحيلولة دون تمكين الملك فاروق من إقالة النحاس،
فاز عبود باشا بعضوية مجلس الشيوخ وعضوية البرلمان نائبًا عن أرمنت عن حزب الوفد عام 1942، لكنه لم ينجح في الاحتفاظ بمقعده عندما خاض الانتخابات مرة أخرى عام 1945 أمام أبو المجد الناظر أحد أقطاب الوفد في ثورة 1919 وهي الانتخابات التي تدخل فيها شخصيا مصطفى باشا النحاس زعيم الوفد حيث طلب من “أبو المجد” التنازل لصالح أحمد عــبود باشا فأرسل له برقيته المشهورة “شاورت نفسي وأهلي فأبوا” وسقط عبود ونجح الناظر.
النادي الأهلي يكرم أحمد عبود باشا في حفل شاي
في يناير 1944 أقام النادي الأهلي حفل شاي تكريما لأحمد عبود باشا بمناسبة تبرعه بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه لتشطيب حمام السباحة وحمام الغطس بالنادي، كان رئيس النادي وقتها أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي وبعد عام واحد تخلي أحمد حسنين عن رئاسة النادي الأهلي ليترشح بدلا منه أحمد عبود، الذي أصبح رئيسًا للنادي الأهلي بالتزكية لعدة دورات امتدت في الفترة من 19 فبراير 1946 إلى 19 ديسمبر 1961، وساعده في تعزيز مكانته تبرعه ببناء عدة منشآت للنادي على نفقته الخاصة.
مع قيام ثورة 23 يوليو 1952 ونجاحها في إنهاء حكم أسرة محمد علي وإجلاء الإنجليز وإعلان الجمهورية في مصر، بدأت ملامح خريطة سياسية واقتصادية تعكس توجه الحكم الجديد لبناء نظام سياسي مستقل واقتصاد وطني قوي يسهم في تعويض البلاد عن عقود طويلة كانت ثرواتها نهبا للمحتل وأعوانه.
وفي 15 أغسطس 1955، فرضت الحراسة على شركة السكر التي يمتلكها أحمد عبود باشا بعد تأخره في الوفاء بمتأخرات ضريبية مستحقة عن أنشطة الشركة.
على خلفية هذه القرارات آثر عبود الهجرة إلى أوروبا وإدارة أعماله هناك بما أمكن له تهريبه من أموال، ولكن لم يطل به المقام هناك حيث توفي بعد نحو ثلاثة أعوام، ليسدل الستار على مشوار الرأسمالي الأشهر في تاريخ مصر.
اقرأ أيضا
المتحف المصري الكبير .. وزير السياحة يتابع أخر المستجدات
امتحانات الثانوية العامة .. التعليم تعلن عن إجراءات جديدة للتعرف على أوراق الطلاب
شاهد
الأكوابونيك.. مدير المشروع بالزراعة يحذر من النصابين