سائل يقول: أنا وبعض زملائي نمارس كرة القدم، ونشاهد مبارياتها، وتشجيع أحد الفرق بها، فعَلَت أصوات البعض التي تُحرِّم ذلك؛ فما حكم الشرع في هذا الأمر؟
تقرأ في هذا الموضوع
حكم الشرع في لعب و مشاهدة و تشجيع كرة القدم
يجوز ممارسة لعبة كرة القدم ومشاهدتها وتشجيع الفرق بها، وذلك بشرط مراعاة الضوابط والتي يجمعها ضابط عام وهو: “ألَّا يَصْحَبها منهيٌّ عنه”، وكان ذلك منضبطًا بالآداب الشرعية والالتزامات الاجتماعية؛ فلا يجوز أن يترتَّب عليها تعمُّد تضييع واجبٍ شرعيٍ أو وطنيٍّ أو حياتيٍّ أو أُسريِّ، ولا يجوز فيها تعمُّد الإضرار بالمنافس، بل ينبغي أن تكون المنافسة شريفة تضبطها قوانين اللعبة وأخلاقها، كما لا يجوز أن يصحبها فحشٌ أو سبابٌ أو تعصبٌ ممقوتٌ، سواء من المتنافسين أو المشجعين؛ حتَّى لا تكون سببًا للتباغض والتشاحن والتنافر.
كرة القدم لعبة جماعية
كرة القدم لعبة رياضية جماعية، تقوم مسابقاتها على المنافسة بين أكثر من فريق، تحكمها لوائح وقوانين، ويقوم بالإشراف عليها وتنظيم مسابقاتها ووضع اللوائح المتعلقة بها وفض النزاعات بين أفرادها الاتحاد المحلي والقاري والدولي المتعلق بتلك اللعبة، كلٌّ حسبما يختص به من صلاحيات في ذاك الصدد.
جاء في اللائحة التنفيذية لقانون الرياضة المصري، رقم (71) لسنة 2017م في فصل التعريفات: [كرة القدم: لعبة تراقبها وتنظمها الفيفا والكونفيدراليات أو أيُّ اتحاد وفقًا لقوانين اللعبة] اهـ.
كما حدَّدت اللائحة المذكورة في المادة رقم (4) تحت عنوان عدم العنصرية والمساواة، والمادة رقم (5) تحت العنوان السابق نفسه، والمادة رقم (6) تحت عنوان تعزيز العلاقات الودية، القيم التي يستهدفها اتحاد اللعبة كالسعي لنبذ الكراهية والعنصرية وتحقيق التعارف بين الشعوب.
ولا يقتصر التكييف المعاصر لهذه اللعبة بحسب قوانينها ولوائحها المحلية والدولية وما يُرتجَى من ثمرتها على كونها ترفيهًا فقط؛ بل تشمل هذه اللعبة جانبًا مهاريَّا، وجانبًا أخلاقيًّا قِيَميًّا، وجانبًا ذا صلةٍ بالدعوة للسلام العالمي ونبذ الكراهية.
أسماء لعبة كرة القدم قديما
وأصل اللعب بالكرة لرفع المهارات البدنية والتنافسية عُرف قديمًا بأسماء متعددة؛ منها: الكُجـَّة، والبُكسة، والخَزفة، والتوان، والآجُرَّة، والصَّوْلجان، والكُرة؛ جاء في “تهذيب اللغة” (9/ 315، ط. دار إحياء التراث): [عن ابن الأعرابي أنَّه قال: كجَّ فلان: إذا لعب بالكجة.. قال ابن الأعرابي، وهو أن يأخذ الصبي خرقة فيدورها كأنها كرة.. فتسمى هذه اللعبة في الحضر باسمين، يقال لها: التوان، والآجرة يقال لها: البكسة] اهـ.
وقد حثَّ الإسلام على ممارسة الأنشطة الرياضية عمومًا؛ لما لها من الفوائد التي تعود على الإنسان، من تقوية الجسد جسمانيًّا وذهنيًّا ونحوه؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ» رواه الإمام البيهقي في “شعب الإيمان”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» رواه الإمام ابن ماجه في “سننه”.
وهذه الأخلاق الرياضية التي تدعمها ممارسة كرة القدم من نحو التنافس الشريف والتدريب على المواجهة والمبادرة وغيره كامنة في الرياضات التي مارسها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه والتي دعم ممارستها بين أصحابه؛ ومنها: الرماية أي: رمي السهام والقوس، وكذلك الفروسية، والمصارعة، والسباحة، والمبارزة.
قال الإمام الماوردي في “الحاوي الكبير” (15/ 182، ط. دار الكتب العلمية): [فإذا ثبت جواز السَّبق والرمي فهو مندوبٌ إليه إن قصد به أهبة الجهاد، ومباح إن قصد به غيره] اهـ.
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمارس الرياضة
وقد مارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرياضة بنفسه الشريفة؛ حيث كان يسابق زوجه أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها فتسبقه مرة ويسبقها مرة، ويقول لها: «هَذِهِ بِتِلْكَ» أخرجه الإمام أبو داود في “سننه”، وأحمد في “مسنده”.
وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، “أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنَ الحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ” وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا. أخرجه الإمام البخاري في “صحيحه”.
قال الإمام الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (6/ 72، ط. دار المعرفة): [وفي الحديث مشروعية المسابقة وأنَّه ليس من العبث، بل من الرياضة المحمودة الموصِّلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك] اهـ.
وفي معناه كلُّ رياضةٍ تحقّق التنافس وتُنمِّي الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم وتُرَقِّي القوة، كشأن الرياضات التي اعتمدتها الاتحادات المعتمدة، ومنها كرة القدم؛ فهي ليست من قبيل العبث أو الَّلهو المنهيِّ عنه في قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، وَكُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ، إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ» رواه الإمامان الترمذي وابن ماجه في “سننيهما” عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
قال الملا علي القاري في “مرقاة المفاتيح” (6/ 2502، ط. دار الفكر): [وفي معناها: كل ما يعين على الحق من العلم والعمل إذا كان من الأمور المباحة، كالمسابقة بالرجل والخيل والإبل، والتَّمشِيَة للتَّنزُّه على قصد تقوية البدن، وتطرية الدماغ] اهـ.
وقال العلامة الكاساني الحنفي في “بدائع الصنائع” (6/ 206، ط. دار الكتب العلمية): [اللعب إذا تعلَّقت به عاقبة حميدة لا يكون حرامًا] اهـ.
وقال الإمام النفراوي المالكي في “الفواكه الدواني” (2/ 350، ط. دار الفكر): [اعلم أنَّ المسابقة إن وقعت بغير جُعْل تجوز بالمذكورات وغيرها، من نحو الحمير والطير والسفر والرمي بالحجارة إذا وقعت لغرضٍ صحيح] اهـ.
وقد عرف اللعب بالصولجان مع الكرة عبر التاريخ، وهي: عَصًا يُعْطَفُ طَرَفُها، يُضْرَب بهَا الكُرَةُ على الدَّوَابّ؛ كما قال العلامة ابن منظور في “لسان العرب” (2/ 310، ط. دار صادر)، وهي طريقة معتمدة الآن في رياضات معتمدة محلِّيًّا ودوليًّا.
قال العلامة ابن رجب الحنبلي في “فتح الباري” (8/ 422، ط. مكتبة الغرباء): [وقد رخَّص إسحاق وغيره من الأئمة باللعب بالصولجان والكرة] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين في “رد المحتار” (6/ 404، ط. دار الفكر): [قدَّمنا عن القهستاني جواز اللعب بالصولجان وهو الكرة للفروسية] اهـ.
واللعب بهذه الألعاب وما يدخل في معناها نصَّ على مشروعيته جملة من العلماء؛ قال الإمام تاج الدين السبكي في “معيد النعم ومبيد النقم” (ص: 43، ط. مؤسسة الكتب الثقافية): [ما يعتاده الأمراء في هذا الزمان من لعب الكرة في الميدان حلال، وينبغي أن يقصدوا به تعليمَ الخيل الإِقبالَ والإِدبارَ، والكرَّ والفرَّ] اهـ.
الألعاب تساهم في زيادة التعارف بين الشعوب
ويضاف إلى ما سبق ما يترجى من زيادة التقارب والترابط والتعارف بين الشعوب، وهو مطلبٌ شرعي له أثر بالغ في إحداث الألفة والوئام بين الأفراد والمجتمعات؛ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13]؛ يقول الإمام ابن كثير في “تفسير القرآن العظيم” (7/ 385، ط. دار طيبة): [يقول تعالى مخبرًا للناس أنَّه خلقهم من نفس واحدة، وجعل منها زوجها، وهما آدم وحواء، وجعلهم شعوبًا، وهي أعم من القبائل، وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك، وقيل: المراد بالشعوب: بطون العجم، وبالقبائل: بطون العرب، كما أنَّ الأسباط: بطون بني إسرائيل.. ليحصل التعارف بينهم] اهـ.
ضوابط لعب كرة القدم
وإذا جوَّزنا ممارسة كرة القدم ومشاهدتها من حيث الأصل، فإنَّ هذا الجواز مقيَّدٌ بضوابط يمكن أن يعبَّر عنها بضابطٍ إجماليٍّ كليٍّ، وهو: ألَّا يَصْحَبها منهيٌّ عنه؛ فلا يجوز أن يترتَّب عليها تعمُّد تضييع واجبٍ شرعيٍ أو وطنيٍّ أو حياتيٍّ أو أُسريِّ، ولا يجوز فيها تعمُّد الإضرار بالمنافس، بل ينبغي أن تكون المنافسة شريفة تضبطها قوانين اللعبة وأخلاقها، كما لا يجوز أن يصحبها فحشٌ أو سبابٌ أو تعصبٌ ممقوتٌ، سواء من المتنافسين أو المشجعين؛ حتَّى لا تكون سببًا للتباغض والتشاحن والتنافر.
ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم القدوة الحسنة في التَّحلِّي بالروح الرياضية والخلق الرياضي القويم وتقبل النتيجة فوزًا أو غيره مع عدم غمط المنافس حقه؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَاقَةُ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ، وَكَانَتْ لَا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وُجُوهِهِمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، سُبِقَتِ الْعَضْبَاءُ فَقَالَ: «إِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ» أخرجه الإمام أحمد في “مسنده”.
ضوابط تشجيع كرة القدم
أمَّا بخصوص التشجيع: وهو دعم الفرق الوطنية أو القومية أو المتميزة في طريقة اللعب فهو جائز متى كان منضبطًا بالآداب الشرعية والالتزامات الاجتماعية، ويؤيده ما ورد من حثِّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني إسماعيل على الرمي؛ فقد أخرج الإمام البخاري في “صحيحه” عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ» قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟»، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ». وقد بوَّب البخاري لهذا الحديث بقوله: (باب: التحريض على الرمي).
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في “النظر الفسيح” (ص: 91-92، ط. دار سحنون): [جريٌ على العادة فيمن يحضر المتناضلين أو المتسابقين أن ينحاز بعضهم إلى بعض المتبارين، بأن يظن بذلك البعض الفوز، وكان ذلك فيه من المخاطرة على حظوظ المتبارين، وهي ضرب من القمار، فلمَّا جاء الإسلام بقيت عادة الانحياز وبطلت المخاطرة والمقامرة، فلما حضرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جرى على العادة؛ لما فيها من بعث الهمم على العناية بتسديد الرمي] اهـ. فكل دعم وراءه مقصد صحيح فهو مشروع، كما أن دعم الفرق الوطنية والقومية والإفادة من خبرات الفرق العالمية دعمًا شريفًا فيه تدريب على الإفادة من الخبرات والنجاحات وتعميق للانتماءات الوطنية والإنسانية.
وبناءً على ما سبق: فيجوز ممارسة لعبة كرة القدم ومشاهدتها وتشجيع أحد الفرق بها، وذلك متى رُوعِيت الضوابط السابقة.
اقرأ أيضا
وظائف حكومية جديدة.. 30 ألف في التعليم ووظائف بالنقل والإسكان.. إليك رابط التقديم
مسابقة الأوقاف 2023 .. الوزارة تعلن عن حاجتها للآئمة والعمال
مطاحن مصر العليا تؤجر 2000 فدان لـ مستثمر سعودي لاستصلاحها وزراعتها