زلزال شرق المتوسط لازال الحدث الأبرز في الـ90 ساعة المنصرمة، بعدما خلف وارءه ما يزيد عن 21 ألف قتيل، وخسائر تجاوزت مليارات الدولارات، وفقًا للتقديرات الأولية والإحصاءات الرسمية التي أعلنتها الجهات المعنية في سوريا وتركيا، الدولتين المنكوبتين بواحدة من أشد الكوارث الإنسانية خلال السنوات الأخيرة.
تقرأ في هذا الموضوع
ليلة القيامة
ليلة القيامة هو التعبير الأدق الذي جاء على ألسنة بعض الناجين من زلزال شرق المتوسط الذي ضرب مناطق عدة في تركيا وسوريا، في الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين الماضي، في توقيت حرج وظروف طقس شديدة السوء، ليخطفهم الموت في لحظات وهم نيام.
هزة أرضية عنيفة، صرخات تشق سكون الفجر، أطلال ومناطق خربة، ومنازل تتساقط الواحد تلو الآخر كقطع الدومينو، أناس يكافحون تحت الأنقاض، متمسكون بالأمل، وبضعة أنفاس تجعلهم على قيد الحياة، وآخرون مذهولون من هول الصدمة، يبحثون عن ذويهم تحت الركام.
الكارثة كانت أشد وطأة على الجانب التركي، الذي أكدت بعض جهاته الرسمية، أن خسائر زلزال شرق المتوسط تجاوزت 17 ألف قتيلًا وخلفت 71 ألف مصاب، ولا تزال الأرقام قابلة للزيادة مع مرور الوقت، فيما ساهمت الظروف الجوية السيئة، في إعاقة عمليات البحث، لتتضاءل فُرص العثور على المزيد من الأحياء.
على الجانب السوري وصلت حصيلة القتلى إلى قرابة الـ3400 قتيل، ولازالت أعمال جهود فرق الإنقاذ “الشعبية” جارية على قدم وساق، بحثًا عن الناجين، وسط غياب تام للجهات المعنية، واتهامات من أهالي المفقودين والمصابين بضعف التواجد الحكومي.
بإمكانات بسيطة وأدوات بدائية
الخوذ البيضاء تتحدى رائحة الموت
تتواصل أعمال البحث عن ناجين وسط الدمار الذي خلفته مأساة الهزة الأرضية التي ضربت عدة مدن سورية، فيما لا يزال ضعف الإمكانات وسوء الأحوال الجوية هو العائق الأكبر، دون تحقيق النتائج المأمولة لفرق الإنقاذ وأصحاب الخوذ البيضاء، والذين يتعاون معهم مئات المتطوعين من أهالي وسكان المناطق المنكوبة، أملًا في انتشال المزيد من الأحياء.
يسابقون الزمن ويتحدون الموت، وسط صمت وتباطؤ دولي يعطل وصول قوافل ومواد الإغاثة، بسبب العقوبات المفروضة على النظام السوري، ليدفع السوريين وحدهم فاتورة الدم الباهظة، ويفقد المئات منهم ذويهم وعائلاتهم، في أجواء شتوية شديدة السوء، وبرد قارس يجمد الدماء في العروق، لتتضاءل فُرص العثور على المزيد من الأحياء، ويظل الأمل مُعلقًا بالمُعجزات الإلهية، التي تضيء سماءهم الملبدة بدموع الحزن والقهر.
تواصل أعمال البحث عن ناجين بعد مرور 100 ساعة على كارثة زلزال شرق المتوسط
زلزال شرق المتوسط
منظمة الصحة العالمية: الأسوأ خلال المئة عام الأخيرة
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن زلزال شرق المتوسط يعد هو الأسوأ خلال المئة عام الأخيرة، بعد الأرقام المُرعبة في حصيلة القتلى والمصابين، والخسائر الاقتصادية التي ستتكلفها كلتا الدولتين جراء عمليات إعادة إعمار المناطق المنكوبة وتعويض أسر الضحايا.
في السياق ذاته أكد العلماء وخبراء الجيولوجيا والقشرة الأرضية أن زلزال شرق المتوسط خلف صدعًا أرضيًا كبيرًا يصل طوله إلى 100 كم، في المنطقة الفاصلة بين ما يعرف بالصفيحتين “الأناضولية والعربية”، فيما تجاوز عمقه الـ18 كم، لتتحرك على إثره الحدود التركية إلى الغرب بمسافة 3 أمتار.
وبعد مرور ساعات قليلة خلف الزلزال الأول موجه من الاهتزازات الارتدادية التي أدت لتفاقم ومُضاعفة حجم الكارثة التي ضربت سوريا وتركيا، لتتهاوى مناطق بأكملها ويسقط سكانها تحت أنقاض مبانيها ومنازلها.
وأكدت الدراسات التي أعلنتها المراكز المُتخصصة أن السبب الرئيسي للكارثة التركية يأتي كونها تقع فوق خط زلزالي هو الأشد خطورة على مستوى العالم، والمعروف علميًا باسم “خط الصدع الشرقي للأناضول”، بالإضافة لخطين أخرين، ليصبح المجموع الكلي ثلاثة خطوط هي:
- “خط صدع غرب الأناضول”: وهو الأنشط من بينها، ويمر بمنطقتي “بحر إيجة ومرمرة”
- “خط صدع الشمال”: ويصل طوله إلى 1350 كم ويضرب المناطق المقابلة للبحر الأسود
- “خط الصدع الشرقي للأناضول”: ويتجاوز مداه الـ530 كم
مخالفات البناء ساهمت في تفاقم حجم الكارثة
وفور وقوع الكارثة تعالت الأصوات التي تنتقد الأداء الحكومي الكارثي، فيما يخص ملف تراخيص البناء، بعد حزمة التصالحات والإعفاءات التي مررتها الحكومة التركية، على مدار الثلاثة أعوام الأخيرة، والتي خففت الرقابة على الاشتراطات القياسية، في إجراء وصفه المُتخصصون بأنه يمثل “جريمة” في حق الشعب، وانتهاكًا صارخًا لمعايير الأمان.
وتماشيًا مع حجم الصدمة والضحايا الذين خلفهم الزلزال العنيف الذي ضرب مناطق عدة في سوريا وتركيا، حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات اللقطات ومقاطع الفيديو المؤثرة، التي رصد بعضها نهايات مأساوية لأسر وعائلات بأكملها، فيما كان القدر رحيمًا ببعض الناجين.
صور من العالم الآخر
مولودة من رحم الموت
سلطت فرق الإنقاذ الضوء على تلك المولودة التي خرجت إلى الحياة بعدما فاجأت آلام المخاض والدتها التي توفاها الله لتفارق الحياة تحت الأنقاض وهي وكامل العائلة، ليقطع المسعفون حبلها السري، ويحملونها إلى المشفى، للتتلقى العلاج والإسعافات المُلائمة، لتكون الناجية الوحيدة من أسرتها، التي أطاحت بها الكارثة، مصداقًَا لقوله تعالى: “يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ” الآية (19) من سورة الروم.
شاهد بالفيديو..
آلام المخاض تفاجىء إحدى الضحايا لتضع جنينها تحت الأنقاض وتفارق الحياة
الهزة الأرضية
طيوبة وبناتها الستة
ضجت مواقع التواصل بخبر وفاة اليوتيوبر الشهيرة “طيوبة” وبناتها الستة وزوجها، بعدما انهار فوقهم العقار الذي يقطنون فيه بتركيا، وانقطعت أخبارهم عن الجميع، ليتلقى محبوها ومتابعوها الذين قاربوا المليون النبأ بمزيج من الأسى والحزن، في انتظار أي بارقة أمل تفيد بإمكانيه نجاتها وأسرتها من الهزة الأرضية التي لم تطالها بمسقط رأسها في سوريا، لتتبعها وأسرتها في موطنها التركي الجديد.
هاتاي التركية الأكثر تضررًا وإدلب وحلب واللاذقية ليست ببعيد
سجلت مدينة هاتاي التركية أعلى حصيلة من الأضرار الناجمة عن الهزة الأرضية التي ضربت الجنوب التركي، فيما امتد التأثير الكارثي ليطال مدن إدلب وحلب واللاذقية وجبلة بالساحل السوري، لتفوح رائحة الموت والركام والدماء منها، وترتفع معها الحصيلة الإجمالية لضحايا المناطق المنكوبة بكلتا الدولتين إلى 22 ألفًا.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من الاحتمالات المتزايدة بارتفاع أعداد ضحايا الهزة الأرضية التي ضربت تركيا وسوريا، إلى ما يقرب من 23 مليون شخص، بسبب ضعف الإمكانات السورية، بالإضافة لحالة الطقس السيئة، التي تُعرقل وتعوق مُهمة فرق الإنقاذ بالمناطق المنكوبة في تركيا.
لقطات بارزة..
إنقاذ شقيقين سوريين من تحت الأنقاض
انتشال رضيع من تحت الأنقاض دون خدش واحد
رضيع تركي.. ماتت أمه وعاش بخصلة من شعرها
مات الأب وعاش الطفل في أحضانه 50 ساعة تحت الأنقاض
أسرة سورية تستغيث من تحت الأنقاض
طفل سوري يداعب مُنقذيه بعد 91 ساعة تحت الأنقاض
تركية ترفض الخروج من تحت الأنقاض إلا بعد ارتداء الحجاب
زلزال شرق المتوسط
المواقع الأثرية السورية ضمن قائمة الخسائر
تأثرت عدة مناطق أثرية بالقطاع السوري الذي هزه زلزال شرق المتوسط العنيف، من بينها مناطق أثرية تعرضت لتصدعات وسقوط بعض أجزائها، قائمة الخسائر شملت قلعة حلب ومنارة الجامع الأيوبي والمتحف الوطني بحلب وحي العقبة التاريخي وباب إنطاكية وحي الجلوم، بالإضافة لقلعة المرقب بحسب ما أعلنته المديرية العامة للآثار والمتاحف.
زلزال تركيا وسوريا
أتسو والكعبي أبرز الرياضيين الناجين
عجت قائمة ضحايا زلزال تركيا وسوريا بعشرات القتلى والمصابين بكلتا الدولتين، وتواترت الأنباء التي تؤكد سقوط فرق رياضية بأكملها، كان أبرزها 14 لاعبة من فريق هاتاي لكرة السلة للسيدات، إثر سقوط المبنى الذي كن يتواجدن فيه، بالإضافة لما يقرب من 40 فردًا من فريق المصارعة.
وبالنسبة للوفيات سقط ثلاثة لاعبين إيرانيين من ذوي الإعاقة أثناء تواجدهم بتركيا للاشتراك في إحدى المنافسات الرياضية الخاصة بهم، علاوة على وفاة أحمد أصلان حارس مرمى نادي ملطية سبور.
وفي القطاع السوري المنكوب أعلنت مصادر رسمية عن وفاة لاعب كرة القدم الدولي السابق نادر جوخدار ونجله، وألبير تنكجيان لاعب فريق العروبة السوري لكرة السلة.
ووسط المانشيتات الحزينة ورائحة الموت التي فاحت من هنا وهناك، كان القدر رحيمًا بالثلاثي الغاني كريستيان أتسو، لاعب هاتاي التركي، وزميله المغربي أيوب الكعبي، ومواطنه يونس بلهنده المحترف بصفوف أضنة دمير سبور، ليكتب لهم نهاية مُغايرة، كأبرز الرياضيين الناجين من مقصلة زلزال شرق المتوسط، التي أطاحت برؤوس أسر وعائلات بأكملها، طمس الركام والكتل الخرسانية اسمهائهم من سجلات الأحياء.